507
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

(لَا يَكُونُ إِلَا مَا شَاءَ اللّهُ وَأَرَادَ، وَقَدَّرَ وَقَضى) . استئنافٌ لبيان أنّ الحقّ الصريح في إسقاط الباء الجارّة لا في إدخالها، فإنّ إسقاطها يجعل اللفظ جامعا ۱ لنفي التفويض وبيان أنّ وقوع المعاصي مع علمه تعالى بإفضاء ما يفضي إليها ممّا صدر عنه تعالى، ألا يرى أنّ الغافل عن أنّ فعله يؤدّي إلى إيذاء الحاكم إيّاه يُقال فيه: ما وقع الإيذاء إلّا بما شاء، ولا يُقال فيه: شاء وقوع الإيذاء، بخلاف العالم فإنّه يقال فيه: إنّه شاء وقوع الإيذاء وإن كان كارها له من جهة اُخرى، وهكذا اللّه تعالى شاء للمعاصي باعتبار أنّه عالم بأنّها تقع بما شاء، وكارِهٌ لها باعتبار أنّه نهى عنها. وقد بيّنّا في ثاني «باب الإرادة» أنّها من صفات الفعل ما يظهر منه أنّ هذا الاستعمال حقيقة لغةً، ولو كان مجازا لم يكن فيه حجر؛ لأنّه على طبق استعمال الشرع.
(يَا يُونُسُ) . شروعٌ في بيان فائدة إسقاط الباء.
(تَعْلَمُ مَا الْمَشِيئَةُ؟) . يُحتمل أن يُراد به تعلم ما فائدة القول بالمشيئة و أنّها تتعلّق بالمعاصي مثلاً بإسقاط الباء، ويحتمل أن يُراد ما معنى مشيئة اللّه لفعل المعصية مثلاً المعدودة مع الخصال البواقي.
(قُلْتُ: لَا، قَالَ: هِيَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ) . الذكر بالكسر والضمّ: الالتفات إلى ما علم قبلُ، نحو: «أَوَلَا يَذْكُرُ الْاءِنسَانُ»۲ ، واستعير هنا للعمل بمقتضى العلم الأزلي فيما لا يزال، وذلك إحداث شيء يفضي إلى المعلوم بالعلم الأزلي، فالذكر الأوّل لعصيان زيد ـ مثلاً ـ إحداث الماء الذي هو أوّل مخلوق ومادّة سائر الحوادث المعلومة في الأزل.
(فَتَعْلَمُ مَا الْاءِرَادَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: هِيَ الْعَزِيمَةُ) أي البقاء والجدّ (عَلى مَا يَشَاءُ) .
«ما» إمّا مصدريّة أي على المشيئة، وهي الذكر؛ أي أن يكون ذاكرا في وقت أفضى ۳ الحادث بعد المفضي الأوّل. وإمّا موصولة، فيكون معنى الإرادة تأكّد المشيئة لما يشاء؛

1.في «أ» : «جامعها» .

2.مريم (۱۹) : ۶۷ .

3.في «ج»: «المفضى».


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
506

(وَقَالَ إِبْلِيسُ:«رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى»۱) أي أشقيتني، فإنّ الغاوي هو الشقيّ، ولَيس فعل الشرّ من الشقيّ بالجبر وإن كان فيه وجوب لاحق. وفي رواية البرقي بعد هذا هكذا: «ولا قالوا بقول نوح: «وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»۲ ». ۳(فَقُلْتُ: وَاللّهِ، مَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ) أي بأنّه لم يبق طريق للّه تعالى إلى إيمان الكافر إلّا الجبر. والمقصود أنّي لا اُوافقهم في القول بالتفويض.
(وَلكِنِّي) . استدراكٌ عمّا يفهم من نفي التفويض من القول بأنّ مشيئة اللّه تتعلّق بالمعاصي.
(أَقُولُ: لَا يَكُونُ) أي شيء في الأرض ولا في السماء من أفعال العباد ونحوهم.
(إِلَا بِمَا شَاءَ اللّهُ) أي إلّا بسبب أمر آخر شاءه اللّه ، وهو أفضى إلى اختيار العبد المعصيةَ أو الطاعة بدون جبر. ومقصوده بإدخال الباء الجارّة في قوله: «بما شاء» أن يأتي بكلام يدلّ على نفي التفويض بدون أن يشتمل على أنّ مشيئته تعالى تتعلّق بالمعاصي.
والإنصاف أنّ هذا التدقيق من يونس تدقيق عجيب وإن كان مدفوعا؛ لغفلة يونس عن تدقيق فوق هذا التدقيق، كما سيظهر في جوابه عليه السلام وإقرار يونس بالغفلة.
(وَأَرَادَ، وَقَدَّرَ وَقَضى، فَقَالَ: يَا يُونُسُ ، لَيْسَ هكَذَا) أي ليس الحقّ الصريح هكذا.
وهذا متعارف في ردّ الكلام الذي ظاهره حقّ، ومقصود المتكلّم به ضمّ أمر آخر غير حقّ إليه كما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه لمّا قال بعض الخوارج ردّا عليه في الرضا بالتحكيم: لا حكم إلّا للّه ، قال عليه السلام : «كلمة حقّ اُريد بها باطل». ۴

1.المحاسن ، ج ۱ ، ص ۲۴۴ ، ح ۲۳۸ .

2.الحجر (۱۵) : ۳۹ .

3.هود (۱۱) : ۳۴ .

4.نهج البلاغة ، ص ۸۲ ، ح ۴۰ . و فيه «يريد» بدل «اُريد» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 70186
صفحه از 584
پرینت  ارسال به