509
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

والمراد بالإبرام ما يصير الشيء معه بحيث يخرج عن تعلّق القدرة به، وهو بإقامة العين أي إيجاد الشيء في الأعيان أي الموجودات الخارجيّة، وكلّ مفضٍ مبرمٌ لا مطلقا، بل حين مضى وقته، أو إذا أخذ بشرط القضاء، كما مرّ في آخر «باب البداء» عند قوله: «والقضاء بالإمضاء» هو المبرم. وأمّا بدونهما فليس مبرما، لا على العبد؛ لأنّ القضاء قضاء عزم لا قضاء حتم وقد مرّ معناهما في أوّل الباب، ولا على اللّه ؛ لأنّه مختار في القضاء.
ويظهر هذا الفرق من بيانهم الفرقَ بين الضرورة بشرط الوصف، والضرورة حين الوصف.
(قَالَ: فَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَهُ، وَقُلْتُ: فَتَحْتَ لِي شَيْئا كُنْتُ عَنْهُ فِي غَفْلَةٍ) . ذلك لتوهّمه أنّ تعلّق مشيئته تعالى بالمعاصي قبيح، أو يوجب الجبر، فلمّا علم معنى المشيئة، علم أنّها تتعلّق بكلّ كائن بدون جبر وقبيح، وكذا الكلام في الإرادة والقدر والقضاء.
الخامس: (مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ: إِنَّ اللّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ) أي المخلوقين.
(فَعَلِمَ) . الفاء للتعقيب باعتبار ضمِّ «وأمرهم ونهاهم» أو للتفريع للدلالة على أنّ الخلق دليل العلم، قال تعالى: «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ»۱ .
(مَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ) من القدرة على كلّ من الفعل والترك.
(وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ) أي لم يكتف بعلمه هذا.
(فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ، فَقَدْ جَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلى تَرْكِهِ) . ردٌّ على المجبّرة، والفاء للتفريع.
(وَلَا يَكُونُونَ آخِذِينَ) أي فاعلين لشيء.

1.المُلك (۶۷) : ۱۴ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
508

أي فعل أو ترك بعد المشيئة موافق لها في أنّه مفض إلى فعل العبد، مجامع للعلم بالإفضاء.
(فَتَعْلَمُ مَا الْقَدَرُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ : هِيَ) أي القدر، والتأنيث باعتبار الخبر.
(الْهَنْدَسَةُ) ؛ على وزن الدهرجة، معرّب «اندازه» أي المقدار، ونقل إلى تعيين المقدار. وقيل: المُهندِس مقدّر ۱ مجاري الماء حيث تحفر، والاسم الهندسة، مشتقّ من الهنداز، معرّب «آب انداز» فاُبدلت الزاي [سينا] لأنّه ليس لهم دال بعده زاي. انتهى. ۲(وَوَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ وَالْفَنَاءِ) . بيّن عليه السلام القدر في ضمن مثال صنعة الصانع من العباد كالحذّاء والخيّاط ونحوهما، فإنّ الحذّاء ـ مثلاً ـ إذا ظنّ أنّه يقدر على صنعة حذاء بعد ذلك، وعزم عليها، عيّن في نفسه المقدار اللائق بالحذاء الذي عزمه، وعيّن أيضا البقاء والفناء، أي إن أراد طول بقاء الحذاء عزم على صنعة مستحكمة بقدر ما أراد من حدود البقاء، وإلّا تسامح بقدر ما يريد من حدود الفناء.
والمقصود أنّ فائدة اعتبار قدر اللّه وتعلّقه بالمعاصي ـ مثلاً ـ عدم نسيانه للإفضاء في وقت هندسة العبد، أو المقصود أنّ قدر اللّه تعالى لمعصية عبد ـ مثلاً ـ فعل أو ترك اختياري يعلم تعالى أنّه يفضي إلى فعل العبد اختيارا، وهو مجامع لقدر العبد ـ أي هندسته ووضعه ـ الحدودَ، وإنّما يكون حين ظنّه بنفسه القدرةَ بعد ذلك على الفعل، وهذا الحين هو الوقت الذي زعم المعتزلة أنّ العبد قادر فيه على الفعل بعده؛ فالعبد يدبّر، واللّه يقدّر. ۳(قَالَ : ثُمَّ قَالَ: وَالْقَضَاءُ هُوَ الْاءِبْرَامُ وَإِقَامَةُ الْعَيْنِ) أي فائدة اعتبار قضائه تعالى لمعصية العبد ـ مثلاً ـ بيان عدم نسيانه حين الإبرام، أو المقصود أنّ معنى قضائه الإبرام أي فعل أو ترك من اللّه تعالى اختياري يعلم تعالى أنّه يفعل العبد معه ذلك الفعل.

1.في «ج» : «المقدّر» .

2.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۲۶۰ ؛ لسان العرب ، ج ۶ ، ص ۲۵۱ (هندس) .

3.شرح الاُصول الخمسة ، ص ۳۹۰ . وانظر نهج الحقّ للعلّامة الحلّي ، ص ۱۲۹ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55612
صفحه از 584
پرینت  ارسال به