517
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

الاستطاعة لا تستعمل إلّا في المخلوقين ، وتُطلق على معنيين :
الأوّل: سعة القدرة مطلقا، والقدرة التمكّن، وهو مفهوم بديهيّ .
الثاني: القدرة على ما لم تتعلّق بمنافيه مشيئة من لا يكون إلّا ما شاء.
وقد تُطلق على معنى ثالث، كما يجيء في شرح عنوان الباب الآتي .
والمراد بها هنا الثاني مقيّدا بتعلّقه بالفعل والترك معا ، وهو موافق لقول المعتزلة في الأوّل من فردي التفويض، ولا تعجب من القول بالجبر، أو القول بالاستطاعة في أصحابنا؛ إنّ أكثر أهل زماننا من أصحابنا يقولون بالجبر والاستطاعة معا؛ لاختيارهم مذهب أبي الحسين البصري . ۱(قَالَ : فَقَالَ عليه السلام لِي : اكْتُبْ : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ إِلَيَّ فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلى مَعْصِيَتِي ؛ جَعَلْتُكَ سَمِيعا بَصِيرا«مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ»،۲وَذلِكَ أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذلِكَ أَنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) .
مضى شرحه في سادس «باب المشيئة والإرادة » وحاصله إبطال الجبر وإبطال الاستطاعة واختيار الواسطة، كما مرّ مرارا .
(قَدْ نَظَمْتُ لَكَ كُلَّ شَيْءٍ تُرِيدُ) . من كلام الرضا عليه السلام .
الثالث عشر : (مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : لَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ) . الجبر القدر المشترك بين مذهب جهم ومذهب الأشاعرة ومذهب الفلاسفة ، ۳ والتفويض مذهب المعتزلة ومن

1.اُنظر معارج الفهم ، ص ۴۰۸ .

2.النساء (۴) : ۷۹ .

3.اُنظر شرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون لابن نباتة ، ص ۱۶۲ ؛ ومعارج الفهم ، ص ۴۰۹ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
516

(فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَفَوَّضَ اللّهُ إِلَى الْعِبَادِ؟) . التفويض: الإقدار بحيث لا يكون بيده تعالى أزمّة الاُمور ، وقد مرّ أنّه القدر المشترك بين إقدارين في ثامن الباب .
والظاهر أنّ مراد السائل هنا الفرد الأوّل منه ، ويحتمل القدر المشترك بين الفردين .
(قَالَ : فَقَالَ : لَوْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ ، لَمْ يَحْصُرْهُمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ) . الحصر بالحاء والصاد والراء المهملات من باب نصر وضرب: المنع والحبس ؛ يعني لو فوّض إليهم لجرى في ملكه ما لا يشاء، فكان عاجزا مثلهم، فلم يكن ربّا لهم، ولم يكونوا مربوبين له، فلم يصحّ منه أمرهم ونهيهم بالأصالة إنّما صحّ بالخلافة كما في الأنبياء والأوصياء ، وهذا ظاهر الفساد .
قيل: يعني الحكمة التي اقتضت حصرهم بالأمر والنهي تأبى عن التفويض، وقول المعتزلة حيث قالوا: العباد ما شاؤوا صنعوا . انتهى . ۱
وقيل : قال الصادق عليه السلام : «لا جبر ولا تفويض بل أمرٌ بين أمرين ». عنى بذلك أنّ اللّه تبارك وتعالى لم يجبر عباده على المعاصي، ولم يفوّض إليهم أمر الدين حتّى يقولوا فيه بآرائهم ومقاييسهم ؛ فإنّه عزّ وجلّ قد حدّ ووظف وشرّع وفرض وسنّ وأكمل لهم الدين، فلا تفويض مع التحديد والتوظيف والشرع والفرض وإكمال الدين . انتهى . ۲(فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَبَيْنَهُمَا مَنْزِلَةٌ؟ قَالَ : فَقَالَ : نَعَمْ ، أَوْسَعُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إلى الْأَرْضِ۳) . مضى معناه في تاسع الباب .
الثاني عشر : (مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ وَغَيْرُهُ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ بِالْجَبْرِ ، وَبَعْضَهُمْ يَقُولُ بِالِاسْتِطَاعَةِ) أي بالاستطاعة للفعل وتركه معا.

1.حكاه في قواعد المرام، ص ۹۶.

2.في حاشية «أ» : «القائل ابن بابويه رحمه الله كتاب التوحيد من باب أسماء اللّه تعالى في معنى الجبّار (منه)» . التوحيد ، ص ۲۰۶ .

3.في الكافي المطبوع : «أوسع ممّا بين السماء والأرض» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55521
صفحه از 584
پرینت  ارسال به