65
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

فعله الاختياري. ۱
وإنّما التزموا ذلك لحكمهم بتقدّم قدرة العبد على وقت الفعل والترك ، والقدرة لا يمكن تحقّقها إلّا مع استجماع العلّة التامّة حقيقةً أو حكما؛ وهو أن يكون ما لم يوجد بعدُ من المقدورات منها باختياره. وسيجيء تفصيل المبحث في أوّل «باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين» وثاني «باب الاستطاعة».
(وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَوِيٌّ) أي على كلّ ممكن في نفسه (وَالْاخَرَ ضَعِيفٌ) أي في ممكن ما.
(ثَبَتَ أَنَّهُ) أي المحدث المثبت للعالم (وَاحِدٌ كَمَا نَقُولُ؛ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِي الثَّانِي) . يعني أنّ الضعف ـ وإن كان مجامعا لأصل القدرة ـ مستلزم للعجز عن ممكن ما في نفسه استلزاما ظاهرا؛ لأنّ القادر على فعلٍ الضعيفَ فيه عاجزٌ عن عدم ضدّه في وقته، أي هو باختيار غيره؛ إن شاء فعل الضدّ وأخرجه عن أصل القدرة، وإن شاء لم يفعل ويكون قادرا حينئذٍ. وظاهر أنّ العجز نقص، وبطلان الشقّ الثالث مستلزم لبطلان الشقّ الثاني بطريقٍ أولى، ولذا لم يذكره.

الدليل الثاني:

(وَإِنْ۲قُلْتَ: إِنَّهُمَا اثْنَانِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ) أي أن يكون كلّ منهما محدثا لكلّ ما أحدثه الآخر. وبطلان هذا ظاهر؛ لأنّ تعلّق إيجادين بموجود واحد شخصي بسيط بديهيُّ الاستحالة، ولذا لم يتعرّض لإبطاله.
(أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ) أي أن لا يكون واحد منهما محدثا لشيء ممّا أحدثه الآخر أصلاً.
ولم يتعرّض لشقّ ثالث هو أن يكونا متّفقين من جهة ومفترقين من جهة؛ لأنّه

1.شرح الاُصول الخمسة ، ص ۳۹۰ . وحكاه السيّد المرتضى في الذخيرة في علم الكلام ، ، ص ۸۸ ؛ وشرح جمل العلم والعمل ، ص ۹۷ ؛ والشيخ الطوسي في الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد ، ص ۱۰۴ ؛ والعلّامة في معارج الفهم في شرح النظم ، ص ۲۶۲ .

2.في الكافي المطبوع : «فإن» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
64

أحد الشريكين من محدَثات الآخر. وهذا إشارة إلى إبطال مذهب المجوس في الاثنينيّة، وهو أنّ صانع الخيرات بلا آلة «يزدان» وهو اللّه تعالى، وصانع الشرور بلا آلة «أهرَمَنْ» وهو الشيطان. وأهرمن من محدثات يزدان، وكلّ منهما مستقلّ في القدرة على فعله. ۱
وحينئذٍ نقول: لا يخلو هذان القديمان من أن يكونا:
(قَوِيَّيْنِ) أي مستقلّين بالقدرة على كلّ ممكن في نفسه، سواء كان موافقا للمصلحة أم مخالفا.
(أَوْ يَكُونَا ضَعِيفَيْنِ) ولو في ممكن من الممكنات، أي غير مستقلّين بالقدرة على ممكنٍ مّا في نفسه.
(أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَوِيّا) على كلّ ممكن في نفسه (وَالْاخَرُ ضَعِيفا) في ممكن من الممكنات.
(فَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ، فَلِمَ لَا يَدْفَعُ) . الاستفهام للإنكار، أي يدفع البتّة (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ) عن الشركة (وَيَتَفَرَّدَ بِالتَّدْبِيرِ؟) .
لأنّ كون كلّ منهما قويّا في مقدور واحد مشتملٌ على التدافع، أي التنافي، فضلاً عن كون كلّ منهما قويّا في كلّ ممكن؛ لأنّ معنى القوّة والقدرة بالاستقلال كون شخص بحيث لو أراد أيّ مقدور به من فعل وترك، لم يقدر غيره على منافي مراده، فقوّة كلّ منهما في كلّ ممكن مستلزمة لضعف الآخر في كلّ ممكن، وأن لا يصدر عن الآخر ممكن إلّا بتمكين الأوّل إيّاه وعدم إرادته ضدّه، وهذا تفرّد بالتدبير في كلّ ممكن.
ويحتمل أن يُراد بدفع كلّ منهما صاحبَه دفعُه عن القوّة، أو عن إرادته ضدّ مراد الأوّل. ومآل الكلّ واحد.
وفي هذا إشارة إلى إبطال مذهب المجوس مرّةً اُخرى، وإلى إبطال مذهب أشباه المجوس من هذه الاُمّة، وهم المعتزلة القائلون باستقلال العبد في قدرته على

1.مجمع البيان ، ج ۴ ، ص ۱۲۵ ؛ معارج الفهم ، ص ۳۷۹ ؛ المواقف ، ج ۳ ، ص ۶۵ ؛ شرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۴۴ ؛ نقد المحصّل ، ص ۱۳۱ (طبع مصر) ؛ تفسير الرازي ، ج ۱۳ ، ص ۱۱۳ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 71319
صفحه از 584
پرینت  ارسال به