67
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

وأمّا الثاني فلأنّه يكون ترك الآخر له مع ترك الأوّل قبيحا وخلاف الحكمة، فيستلزم علم كلّ منهما بنقص في الآخر.

الدليل الثالث:

(ثُمَّ يَلْزَمُكَ) ؛ بفتح الخاتمة من باب علم. وإنّما زاد هذا ولم يقل: «وإن ادّعيت اثنين فلابدّ من فرجة» إلى آخره، إشارةً إلى أنّ هذا الدليل شريك مع الدليل الثاني في الشقّين، وإنّما الفرق في إبطال الشقّ الثاني منه بدليل آخر، فهو معطوف بالمعنى على قوله: «فلمّا رأينا الخلق» إلى آخره.
(إِنِ ادَّعَيْتَ) ؛ بكسر الهمز شرطيّة، أو بفتحها مصدريّة، والمصدر نائب ظرف الزمان؛ أي حين ادّعيت، أو بتقدير اللام، أي لأن ادّعيت.
(اثْنَيْنِ) مفترقين من كلّ جهة.
(فُرْجَةٌ) ؛ بالضمّ فاعل «يلزمك»، وأصلها الشقّ بين أجزاء الحائط. والمراد هنا ثالث يعيّن بعض أجزاء العالم لواحدٍ منهما، وبعضا آخر من أجزاء العالم للآخَر منهما، تشبيها لهما بجسمين بينهما جسم.
(مَّا) ؛ للإيهام. ۱(بَيْنَهُمَا حَتّى يَكُونَا) أي المدبّران.
(اثْنَيْنِ) ؛ لامتناع الإرادة والترجيح من جهة الأوّلين، فإنّ كلّاً منهما مستقلّ بالقدرة، غنيّ من كلّ جهة، إنّما يريد شيئا للحكمة لا لنفع راجع إليه، فلو لم يكن فرجة كان فعله هذا لبعض دون البعض الآخر ترجيحا بلا مرجّح، نظير ما فرضوه في نحو: رغيفي الجائع.
(فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثا بَيْنَهُمَا، قَدِيما مَعَهُمَا ، فَيَلْزَمُكَ) بالخاتمة (ثَلَاثَةٌ) ؛ بالرفع، أي فيلزم خلاف الفرض، وهو أن يكون المدبّر ثلاثة، لأنّه لو لم يكن التعيين والتمييز صادرا عن الثالث على سبيل التدبير، كان على سبيل الإيجاب، كالتأثيرات الطبيعيّة عندهم؛ فيلزم أن لا يكون أحدهما قادرا أصلاً؛ لأنّ أثر الطبيعة لو أمكن تحقّقه وجب

1.في «ج» قد تقرأ : «للإبهام» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
66

شريك للأوّل في المفسدة، وللثاني أيضا.
(فَلَمَّا رَأَيْنَا) . هذا لإبطال الشقّ الثاني.
(الْخَلْقَ) ؛ مصدر بمعنى المفعول، أي العالم، وهو الأجسام وصفاتها التي ليست باختيارنا.
(مُنْتَظِما، وَالْفُلْكَ۱) ؛ بالضمّ: السفينة. ۲(جَارِيا، وَالتَّدْبِيرَ وَاحِدا، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) أي مجيء كلّ منهما خلف الآخر وزيادته ونقصانه.
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَالتَّدْبِيرِ، وَائْتِلَافُ) ؛ بالرفع عطف على «صحّة».
(الْأَمْرِ عَلى) ؛ صلة «دلّ».
(أَنَّ الْمُدَبِّرَ) أي المحدث للعالم بتدبير (وَاحِدٌ) .
توضيحه: أنّ هذا الشقّ يستلزم أن يكون كلّ منهما جاهلاً بما يفعله الآخر، وبما يتركه، فيكون وجود كلّ جزء من العالم اتّفاقيّا لم يراع فاعله في فعله إيّاه حكمةً أصلاً، وهذا يؤدّي إلى أن لا يكون النظام المشاهد منتظما؛ لأنّه لولاه فإمّا أن يكون كلّ منهما عالما حين فعله شيئا من النظام المشاهد بأنّه لو تركه لفعله الآخر، لحكمة كلّ منهما، وإمّا أن يكون عالما بأنّه لو تركه لتركه الآخر أيضا.
وهما باطلان:
أمّا الأوّل فلأنّ إحداث أحدهما ذلك المعلول عبث حينئذٍ؛ لأنّ كلّاً منهما مستقلّ بالقدرة، وإنّما يفعل للحكمة لا لنفع راجع إليه، فإحداث أحدهما ذلك المعلول ليس أولى بوجه من تركه إيّاه مع إحداث الآخر إيّاه.

1.في الكافي المطبوع : «والفَلَكَ» . وفي حاشية «أ» : «الفُلك ـ بضمّ فاء وسكون لام ـ : كشتى ، واينجا استعاره شده براى معاش آدميان وسائر حيوانات ، بنابر تشبيه دنيا به دريا» .

2.في حاشية «أ» : «صحّ اتّصاف الفلك بالجاري بدون التاء، كما اتّصف بالمشحون في قوله تعالى في سورة الشعراء : «فَأَنجَيْنَـهُ وَ مَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ» قال الطبرسي رحمه الله في مجمعه : فخلّصناه ومن معه في السفينة المملوّة من الناس وغيرهم من الحيوانات» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 71240
صفحه از 584
پرینت  ارسال به