محدودا، كما في قولك: زيد غير عاصٍ ولا معذّب. وهو المراد بما في أوّل خطبة من نهج البلاغة من قوله: «ومَن أشار إليه فقد حدّه» ۱ إذ المراد بالإشارة إليه عقله.
وحاصل الجواب: أنّ توهّمه شيئا لا ينافي التوحيد المأمور به؛ إنّما ينافيه توهّمه شيئا معقولاً.
(فَمَا) . تفريعٌ على قوله: «غير معقول ولا محدود».
(وَقَعَ وَهْمُكَ عَلَيْهِ) أي أدركه وأصابه. «وهمُك» بمعنى «ذهنك».
(مِنْ شَيْءٍ) . «من» للتبيين، مثل: «مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ»۲ .
(فَهُوَ) أي الصانع تعالى (خِلَافُهُ) .
خلاف الشيء: مغايره الذي ليس أمر ذاتي مشتركا بينهما. وهذا ناظر إلى قوله: «غير معقول». وإلى هذا اُشير فيما روي عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو ۳ مخلوق مصنوع مثلكم، مردود إليكم، ولعلّ النمل الصغار تتوهّم أنّ للّه تعالى زُبانيين فإنّ ذلك كمالها، وتتوهّم أنّ عدمهما نقصان لمَن لا يتّصف بهما، وهكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به» انتهى. ۴
فالمراد بالتمييز بالوهم إدراك الوهم إيّاه، والمراد بالوصف وصفه تعالى بأوهامهم، وهو المنهيّ عنه فيما يجيء في «باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه» قال تعالى: «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ»۵ . ولقد زلَّ قدم مَن توهّم أنّ مراده عليه السلام أنّه لا اعتماد على اعتقاد أنّ اللّه تعالى عالم بجميع المعلومات، قادر على جميع الممكنات، وهكذا في سائر الأسماء الحُسنى والصفات العلى، وإنّما كلّف الإنسان به لأنّه لا يسعه معرفة اللّه إلّا بما عَرَفه وألِفه من كمالات نفسه، وذلك لأنّ هذا التوهّم ذهابٌ إلى مذهب