79
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

محدودا، كما في قولك: زيد غير عاصٍ ولا معذّب. وهو المراد بما في أوّل خطبة من نهج البلاغة من قوله: «ومَن أشار إليه فقد حدّه» ۱ إذ المراد بالإشارة إليه عقله.
وحاصل الجواب: أنّ توهّمه شيئا لا ينافي التوحيد المأمور به؛ إنّما ينافيه توهّمه شيئا معقولاً.
(فَمَا) . تفريعٌ على قوله: «غير معقول ولا محدود».
(وَقَعَ وَهْمُكَ عَلَيْهِ) أي أدركه وأصابه. «وهمُك» بمعنى «ذهنك».
(مِنْ شَيْءٍ) . «من» للتبيين، مثل: «مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ»۲ .
(فَهُوَ) أي الصانع تعالى (خِلَافُهُ) .
خلاف الشيء: مغايره الذي ليس أمر ذاتي مشتركا بينهما. وهذا ناظر إلى قوله: «غير معقول». وإلى هذا اُشير فيما روي عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو ۳ مخلوق مصنوع مثلكم، مردود إليكم، ولعلّ النمل الصغار تتوهّم أنّ للّه تعالى زُبانيين فإنّ ذلك كمالها، وتتوهّم أنّ عدمهما نقصان لمَن لا يتّصف بهما، وهكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به» انتهى. ۴
فالمراد بالتمييز بالوهم إدراك الوهم إيّاه، والمراد بالوصف وصفه تعالى بأوهامهم، وهو المنهيّ عنه فيما يجيء في «باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه» قال تعالى: «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ»۵ . ولقد زلَّ قدم مَن توهّم أنّ مراده عليه السلام أنّه لا اعتماد على اعتقاد أنّ اللّه تعالى عالم بجميع المعلومات، قادر على جميع الممكنات، وهكذا في سائر الأسماء الحُسنى والصفات العلى، وإنّما كلّف الإنسان به لأنّه لا يسعه معرفة اللّه إلّا بما عَرَفه وألِفه من كمالات نفسه، وذلك لأنّ هذا التوهّم ذهابٌ إلى مذهب

1.نهج البلاغة ، ج ۱ ، ص ۱۵ باب المختار من خطب أمير المؤمنين عليه السلام .

2.البقرة (۲) : ۱۰۶ .

3.في «ج» : - «فهو» .

4.شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني ، ج ۱ ، ص ۱۱۰؛ بحار الأنوار، ج ۶۶، ص ۲۹۳ .

5.الصافّات (۳۷) : ۱۸۰ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
78

الأمرين: مذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة، كما أنّ الحقّ في أفعال العباد الأمر بين الأمرين: الجبر والقدر. وسيجيء في «باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين» وكما أنّ الحقّ في حقيقة الإيمان المنجي من الخلود في النار الأمر بين الأمرين: مذهب المرجئة ۱ ومذهب الوعيديّة. ۲ ومضى بيانه في «باب التقليد» من «كتاب العقل» لمّا كان التعطيل منافيا صريحا للإقرار بمحدث العالم ومثبته، ذكر هذا الباب عقيب الأوّل لكمال الربط.
الأوّل: (مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ) ؛ من زيادات التلامذة. (عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ) ؛ هو الجواد عليه السلام .
(عَنِ التَّوْحِيدِ) أي معنى «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» .
(فَقُلْتُ) . الفاء للتعقيب؛ أي بعد بيان معنى أحد بلا فصل.
(أَتَوَهَّمُ) . الهمزة للمتكلّم، والاستفهام مقدّر؛ أي أأتصوّر في مقام التوحيد.
(شَيْئا؟) أي ذاتا ثبت له الكون، فيكون له تعالى مائيّة وإنّيّة متغايران حقيقةً كسائر الأشياء، ومعادل الاستفهام أن يقول: أم هو نفس الكون والشيئيّة.
وحاصل السؤال أنّ اعتقاد أنّ اللّه تعالى شيء هل يجامع التوحيد المأمور به، أم لا؟
(فَقَالَ: نَعَمْ) . هذا لإبطال التعطيل، وما بعده إلى قوله: «في الأوهام» لإبطال التقييد.
(غَيْرَ) ؛ منصوب صفة «شيئا» لأنّ «نعم» في حكم تكرار الجملة، وهذا جارٍ مجرى الاستدراك عن قوله: «نعم».
(مَعْقُولٍ) . العقل ضدّ الإطلاق؛ من عقله كنصر وضرب: إذا أمسكه وحبسه؛ يعني أنّه تعالى غير متصوّر بنفسه وكنهه.
(وَلَا مَحْدُودٍ) أي ولا محاط بسطح؛ وكأنّه إشارة إلى أنّه لو كان معقولاً لكان

1.كلمة المرجئة تطلق على جماعة متعدّدة، والجماعة المناسبة هنا هي القائلة بأنّه لا تضرّ مع الإيمان معصيته كما لا تنفع مع الكفر الطاعة . وقيل : هم القائلون بتأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة ، فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنّة أو من أهل النار . الملل والنحل للشهرستاني ، ج ۱ ، ص ۱۳۹ .

2.هم القائلون بأنّ مرتكب الكبيرة لابدّ وأن يخلّد في النار . كشف المراد ، ص ۵۶۲ ، وفي طبعة تحقيق الزنجاني ، ص ۴۴۲ ، وفي طبعة تحقيق السبحاني، ص ۲۸۰ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 75386
صفحه از 584
پرینت  ارسال به