89
الشّافي في شرح أصول الكافي ج2

(قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : لَوْ كَانَ ذلِكَ كَمَا تَقُولُ، لَكَانَ التَّوْحِيدُ عَنَّا مُرْتَفِعا؛ لِأَنَّا لَمْ نَكْلَفْ۱غَيْرَ مَوْهُومٍ) . «ذلك» إشارة إلى الموهوم. و«كما تقول» عبارة عن المنحصر في معلوم المخلوقيّة بالوجدان، واللام في «التوحيد» للعهد الخارجي، وهو عبارة عن مضمون قوله عليه السلام : «هو الربّ، وهو المعبود، وهو اللّه » إلى آخره، أو عبارة عن مضمون جميع ما ذكر في جواب السائل في هذا الحديث.
والمرتفع بكسر الفاء: المسلوب والمنتفي.
و«لم نكلف» معلوم باب علم من الكَلف بالفتح، وهو ارتكاب العمل مع شغل قلب ومشقّة. ۲ وفي كتاب التوحيد لابن بابويه: «لم نتكلّف». ۳ ومآلهما واحد.
قال ابن الأثير في النهاية:
فيه: «اكْلفُوا من العمل ما تطيقون». يُقال: كَلِفت بهذا الأمر أكْلَف بهِ: إذا وَلِعْتَ به وأحببتهُ. وقال: وكلِفته: إذا تحمّلتُهُ، وقال: وتكلَّفت الشيء: إذا تجشّمته على مشقّة. وقال: والكَلْف: الولوع بالشيء مع شغل قلب ومشقّة. ۴
وحاصل الجواب: أنّه لو كان كلّ موهوم معلومَ المخلوقيّة بالوجدان، لكان ما صدر عنّا سابقا من التوحيد غيرَ صادر عنّا، لأنّه تعلّق وهمنا به، ولم نعلم ۵ بالوجدان مخلوقيّته، والعلم بالوجدانيّات يجب أن يكون مشتركا بين جميع العقلاء، غير مختصّ ببعض دون بعض.
(وَلكِنَّا نَقُولُ: كُلُّ مَوْهُومٍ بِالْحَوَاسِّ مُدْرَكٍ بِهِ۶تَحُدُّهُ الْحَوَاسُّ وَتُمَثِّلُهُ؛ فَهُوَ مَخْلُوقٌ) . استدراك عن إنكار كون كلّ موهوم مخلوقا.
والمراد بالحواسّ الخمس: السمع، والبصر، والشمّ، والذوق، واللمس.

1.في الكافي المطبوع: «نُكَلَّفْ» للمجهول.

2.لسان العرب ، ج ۹ ، ص ۳۰۷ (كلف) .

3.التوحيد ، ص ۲۴۶ ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح ۱ . وفيه : «نكلف» بدل «نتكلف» .

4.النهاية ، ج ۴ ، ص ۱۹۷ (كلف) .

5.في «ج» : «تعلم» .

6.في الكافي المطبوع : «بها» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
88

وقوله: «هذه الحروف» تركيب توصيفي وإشارة إلى حروف لفظة «اللّه » أو لفظ «خالق الأشياء» أو لفظ «صانعها». ومآل الكلّ واحد؛ فإنّ الأخيرين كالمرادف للام العهد في «اللّه » والاكتفاء بهما اقتصارٌ اعتمادا على ظهور المراد وإشارةً إلى مناط دفع شبهة المخالفين حيث قالوا: لو لم يكن لفظة «اللّه » علما شخصيّا، لما أفاد قولنا: لا إله إلّا اللّه التوحيد، والمقصود أنّ المعنى خارج عمّا وضع له هذه الحروف؛ إنّما هو مدلول التزامي لها كما هو مشهور بين أهل العربيّة من أنّ الذات خارج عن مفهوم وُضع له المشتقّات.
(وَهُوَ) ؛ مبتدأ، أي ما سألت عن أقرب أسمائه بما هو.
(الْمَعْنى) ؛ خبر المبتدأ، واللام للحصر؛ أي دون نعت هذه الحروف.
(سُمِّيَ بِهِ) ؛ خبر آخر، ونائب الفاعل ضمير مستتر راجع إلى المبتدأ، والضمير المجرور راجع إلى «نعت هذه الحروف» أي وُسِمَ به، وجعل مدلولاً عليه به. ويمكن أن يكون «هو» ضمير الشأن، و«المعنى» مبتدأً و«سمّي به» خبره.
(اللّهُ، وَالرَّحْمنُ ، وَالرَّحِيمُ، وَالْعَزِيزُ ، وَأَشْبَاهُ ذلِكَ) ؛ مبتدأ ومعطوفات على المبتدأ.
(مِنْ أَسْمَائِهِ) ؛ خبر المبتدأ، والضمير للمعنى في قوله: «وهو المعنى».
والمقصود تأكيد أنّه لا فرق بين لفظة «اللّه » وبين سائر الأسماء في أنّه ليس علما شخصيّا.
(وَهُوَ الْمَعْبُودُ جَلَّ وَعَزَّ) . الضمير للمعنى، والمقصود أنّه لا يجوز عبادة اسم من أسمائه.
(قَالَ لَهُ السَّائِلُ: فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ مَوْهُوما إِلَا مَخْلُوقا) . الفاء للتعقيب، و«إنّا» بكسر الهمزة وتشديد النون، والتقدير: «فأقول: إنّا».
و«لم نجد» بالجيم ومهملة من الوجدان بضمّ الواو وسكون الجيم.
والموهوم: ما تعلّق به الوهم، سواء كان بكنهه أم بوجهه، وسواء كان بالهذيّة أم بغيرها. مراده أنّ الوجدانيّات من أقسام الضروريّات، وكما نعلم بالوجدان حين تعلّق وهمنا بشيء أنّ لنا موهوما، نعلم بالوجدان أنّ ذلك الموهوم مخلوق، فيبطل قولكم في إثبات الصانع.

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج2
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 55549
صفحه از 584
پرینت  ارسال به