107
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

وقد بلغني في مكّة ـ شرّفها اللّه تعالى ـ في الموسم أنّ أحدا من فضلاء ما وراء النهر ۱ ومجاوري مدينة الرسول عليه السلام يُشنِّع على الشيعة في عقائدهم ، وأنّه في مكّة وسمع مقامي بها وأراد أن يسألني عن إشكالات ، ثمّ إنّه توسّل بوسائل إلى ذلك حتّى وقعت الملاقاة في المسجد الحرام قبيل صلاة المغرب حين كان المسجد غاصّا بأهل الموسم ، فرأيته رجلاً متينا داهيا ، وكان معه بعض تلاميذه من أهل ما وراء النهر ، فقال بعد التعظيم والترحيب : ما دليل الشيعة على كون مسألة الإمامة من اُصول الدين ، وكفر المخالف للحقّ فيها ، هل عند الشيعة أصل يقتضي أنّ الغلط في الإمامة يوجب الكفر ، أم هذا حكم عن التشهّي ؟ وقد سألت عن هذا كثيرا من علماء الشيعة فما أجابوني عنه .
قلت : لعلّ الذي سألته عن هذا لم يكن عارفا بمذهب الشيعة كما هو حقّه ، وأنا أذكر لك مذهبهم في المسألة بحيث لا يبقى إشكال .
قال : قُل .
قلت : قد بلغك الخلاف المشهور بينهم وبين غيرهم واستدلالات كلّ جماعة على مذهبهم وأجوبة الآخرين عنها في مسألة الإمامة، ولا تعلّق لمسألة تكفير المخالف للحقّ بمسألة الإمامة ، ولم يقع للشيعة غلط في هذه المسألة ، سواء أخطأوا في مسألة الإمامة أم أصابوا .
قال : كيف هذا؟
قلت : ذهب الشيعة إلى أنّ ما أوجب اللّه على عباده على قسمين : الأوّل : التصديق ، ومرادهم بالتصديق التواضع للحقّ ، أي الطوع والخضوع له ، وليس مرادهم بالتصديق العلم اليقيني ولا الاعتقاد مطلقا ؛ لأنّهما من مقولة الانفعال [لا] ۲ من الأفعال المولّدة ، فلا يتعلّق بهما تكليف حقيقةً .

1.قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ، ج ۵ ، ص ۴۵ : «ما وراء النهر يراد به ما وراء نهر جيحون بخراسان ، فما كان في شرقيّه يقال له : بلاد الهياطلة ، وفي الإسلام سموه ما وراء النهر ، وما كان في غربيّه فهو خراسان وولاية خوارزم ، وخوارزم ليست من خراسان ، إنما هي إقليم برأسه» .

2.في «أ»: - «لا»؛ وفي «ج، د»: «أو».


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
106

وأجاب عن الثلاثة الأخيرة بقوله : «فاعلم يا أخي أرشدك اللّه » إلى قوله : «إلى يوم القيامة».
وليعلم أنّ المراد باُصول الدِّين مسائلُ محمولاتُها ليست من الأحكام الشرعيّة ، ولا من اقتضاء الأحكام الشرعيّة ، وأوجب اللّه تعالى على من بلغ سنّ التكليف ـ ولم يكن من المستضعفين ـ التصديق بها ، أي الطوع لها بباطن القلب .
هذا إذا خوطب بها الفلاسفة الزنادقة ومن يحذو حذوهم ، وأمّا إذا خوطب بها أهل الإسلام فالأصوب أنّ المراد باُصول الدِّين مسائل موضوعاتها ما ذكرنا في حدّها ومحمولاتها وجوب التصديق بتلك المسائل ، أو موضوعاتها التصديق بها ومحمولاتها الوجوب من الأحكام الخمسة ، وعليه قوله تعالى في سورة البقرة : «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَىِّ»۱ .
فبالقيد الأوّل خرج مسائل الفروع الفقهيّة ، وهي مسائل محمولاتها من الأحكام الشرعيّة وموضوعاتها غير التصديق ، وخرج أيضا ما محموله من الأحكام الشرعيّة وموضوعه التصديق ، كقولنا : التصديق بالنبيّ واجب ، فإنّه ليس من مسائل اُصول الدِّين ولا اُصول الفقه ولا الفروع الفقهيّة ، إنّما هو من متعلّقات اُصول الدِّين .
وبالقيد الثاني خرج اُصول الفقه ، كقولنا : الأمر يقتضي وجوب المأمور به .
وبالقيد الثالث خرج ما عدا الثلاثة من الفنون .

[الإمامة من اُصول الدين أم لا؟]

واعلم أنّ مسألة الإمامة من اُصول الدِّين عند من يقول إنّ تعيين الإمام من اللّه ورسوله ويجب على الناس التصديق بإمامته ، سواء كان التعيين في محكمات القرآن كما هو الحقّ ـ وسيجيء في «باب معرفة الإمام والردّ إليه» من «كتاب الحجّة» ـ أم لا ؟ ومن الفروع الفقهيّة عند من يقول : إنّ اللّه ورسوله لم يعيّنا الإمام وأوجبا على الناس وجوبا كفائيّا القيام بالإمامة ونصب الإمام في كلّ زمان . ۲

1.البقرة (۲) : ۲۵۶ .

2.اُنظر: شرح المواقف للجرجاني ، ج ۸ ، ص ۳۴۴ ؛ شرح المقاصد للتفتازاني ، ج ۵ ، ص ۲۲۲ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 119731
صفحه از 602
پرینت  ارسال به