117
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

(وَالتَّعْلِيمِ) أي أن يلقى إليهم من الأدلّة ما يقتضي العلم بالمبهمات المحتاج إليها؛ ليستغنوا عن الجهالة فيها .
(وَجَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَبَ بَقَائِهِمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ) ؛ لما نعلم ؛ ضرورةَ أنّه لو لم يخلق أهل الصحّة والسلامة لأسرعوا إلى الزوال ، أو لم يُخلقوا أصلاً ، كما يدلّ عليه قوله تعالى في سورة الذاريات : «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» . ۱
أمّا إذا رجع ضمير ليعبدون إلى المؤمنين فظاهر ، وأمّا إذا رجع إلى الجنّ والإنس فلامتناع أن لا يترتّب الغاية بالذات على فعله تعالى ، فالعبادة حينئذٍ غاية بالعرض ، أي مطلوبة بالغاية بالذات ۲ واُقيمت مقام الغاية بالذات ، وهي طلب العبادة إشعارا بأنّه لولا وقوع المطلوب في بعضهم لم يقع خلقهم أصلاً ، ويجيء تتمّة بيانه في أوّل «باب ثواب العالم والمتعلِّم» من «كتاب العقل» .
(وَجَعَل بَقَاءَ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ) .
حاصله وحاصل ما يجيء في أوّل «باب ۳ الاضطرار إلى الحجّة» من «كتاب الحجّة» من قوله : «وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم» ، وما يجيء أيضا في ثالثه ۴ ، إنّا نعلم ضرورة أنّهم محتاجون إلى التَّمَدُّن والمعاملات المفضية إلى المنازعات والترافع إلى العالم ، فلو لم يجمعهم أدب وتعليم مانع عن الجهالة ، لكانوا في الهرج والمرج دائما بسبب الفساد والفتنة ، أي اختلاف آرائهم ؛ وذلك لأنّ جمهورهم مضطرّون حينئذٍ إلى أن يحكموا في المبهمات المحتاج إليها بالرأي ، وإلّا تعطّل المعاش وخربت الدنيا ؛ لانسداد طريق العلم بالمبهمات على الجمهور ، وذلك ينافي عدل اللّه ؛ ضرورة أنّ العادل لا يرضى بالفساد ، ولا يرضى لعباده أن يعطيهم الفطن والعقول الداعية إلى

1.الذاريات (۵۱) : ۵۵ ـ ۵۶ .

2.في «أ» : + «على فعله تعالى» .

3.في حاشية «أ» : «وهو الباب الأوّل» .

4.أي في الحديث ۳ من باب الاضطرار إلى الحجّة .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
116

(أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَمْرِ) بالواجبات التي هي في اُصول الدِّين ، أو فيها وفي الفروع .
(وَالنَّهْيِ) عمّا يضادّها ، كما في قوله تعالى : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللّهِ»۱ .
(بَعْدَ مَا أَكْمَلَ لَهُمْ آلَةَ التَّكْلِيفِ) . المراد بآلة التكليف الاُمور التي لو لم يتحقّق شيء منها لقبح التكليف ، والمراد بالتكليف الأمر والنهي اللذان ليسا بقصد اللعب ونحوه ، بل يكونان مع قصد الذمّ والتبعة ۲ والمشقّة على المخالفة .
(وَوَضَعَ) أي في الدنيا .
(التَّكْلِيفَ عَنْ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالضَّرَرِ ؛ إِذْ قَدْ خَلَقَهُمْ خِلْقَةً غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ) أي في الدنيا .
(لِلْأَدْبِ) أي لبيان الأحكام العمليّة ، وهو بفتح الهمزة وسكون المهملة والموحّدة مصدر أَدَبَ القوم كضرب، أي دعاهم إلى طعامه . قيل : «ومنه تقول : أدّبته كضربته : إذا علّمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق». ۳ انتهى .
ويحتمل أن يكون بفتح الدال من أدب كحسن ، إذا كان حركاته وكلامه على الهيئة المحمودة ، وإذا عدّيته قلت : أدّبته بالتشديد فتأدّب ، ويبعّد هذا عطف التعليم ، لكن يؤيّده قوله ۴
بعدُ : «من مؤدّب ودليل» وبفتح الدال أيضا مصدر أدب كضرب ، أي عمل مأدُبةً بضمّ الدال ، ويجوز الفتح وهي طعام صنع لدعوة أو عرس . ۵
ومنه حديث ابن مسعود : «القرآن مأدبة اللّه في الأرض» ۶ . يعني مَدْعاته ، شبّه القرآن بصنيع صنعه اللّه تعالى للناس لهم فيه خير ومنافع .

1.البقرة (۲) : ۲۵۶ .

2.في «أ» : - «والتبعة» .

3.المصباح المنير ، ص ۹ (أدب) .

4.في «د» : «قوله يؤيّده» بتقديم وتأخير .

5.لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۲۰۶ ؛ المصباح المنير ، ص ۹ (أدب) .

6.المصنّف لعبد الرزّاق ، ج ۳ ، ص ۳۶۸ ، ح ۵۹۹۸ و ص ۳۷۵ ، ح ۶۰۱۷ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج ۷ ، ص ۱۶۵ ، ح ۳ ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج ۹ ، ص ۱۲۹ ، الفائق في غريب الحديث ، ج ۱ ، ص ۲۷ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 119366
صفحه از 602
پرینت  ارسال به