(وَالتَّعْلِيمِ) أي أن يلقى إليهم من الأدلّة ما يقتضي العلم بالمبهمات المحتاج إليها؛ ليستغنوا عن الجهالة فيها .
(وَجَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَبَ بَقَائِهِمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ) ؛ لما نعلم ؛ ضرورةَ أنّه لو لم يخلق أهل الصحّة والسلامة لأسرعوا إلى الزوال ، أو لم يُخلقوا أصلاً ، كما يدلّ عليه قوله تعالى في سورة الذاريات : «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» . ۱
أمّا إذا رجع ضمير ليعبدون إلى المؤمنين فظاهر ، وأمّا إذا رجع إلى الجنّ والإنس فلامتناع أن لا يترتّب الغاية بالذات على فعله تعالى ، فالعبادة حينئذٍ غاية بالعرض ، أي مطلوبة بالغاية بالذات ۲ واُقيمت مقام الغاية بالذات ، وهي طلب العبادة إشعارا بأنّه لولا وقوع المطلوب في بعضهم لم يقع خلقهم أصلاً ، ويجيء تتمّة بيانه في أوّل «باب ثواب العالم والمتعلِّم» من «كتاب العقل» .
(وَجَعَل بَقَاءَ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ) .
حاصله وحاصل ما يجيء في أوّل «باب ۳ الاضطرار إلى الحجّة» من «كتاب الحجّة» من قوله : «وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم» ، وما يجيء أيضا في ثالثه ۴ ، إنّا نعلم ضرورة أنّهم محتاجون إلى التَّمَدُّن والمعاملات المفضية إلى المنازعات والترافع إلى العالم ، فلو لم يجمعهم أدب وتعليم مانع عن الجهالة ، لكانوا في الهرج والمرج دائما بسبب الفساد والفتنة ، أي اختلاف آرائهم ؛ وذلك لأنّ جمهورهم مضطرّون حينئذٍ إلى أن يحكموا في المبهمات المحتاج إليها بالرأي ، وإلّا تعطّل المعاش وخربت الدنيا ؛ لانسداد طريق العلم بالمبهمات على الجمهور ، وذلك ينافي عدل اللّه ؛ ضرورة أنّ العادل لا يرضى بالفساد ، ولا يرضى لعباده أن يعطيهم الفطن والعقول الداعية إلى
1.الذاريات (۵۱) : ۵۵ ـ ۵۶ .
2.في «أ» : + «على فعله تعالى» .
3.في حاشية «أ» : «وهو الباب الأوّل» .
4.أي في الحديث ۳ من باب الاضطرار إلى الحجّة .