الهرج والمرج بدون أن يعطيهم ما إذا قبلوا نجوا ، فيكون الفطن والعقول وبالاً عليهم بدون تقصيرهم .
ولا ينتقض بزمان غيبة الإمام ؛ لأنّ الجمهور قد أتوا من قِبَلِ أنفسهم حيث لم يقبلوا عطاء اللّه وحجّته على بريّته ، والقليل المُسلمون المُسَلِّمون لا تخرب الدنيا ولا يتعطّل المعاش بكفّهم أنفسهم عن الحكم في المختلف فيه بالرأي .
واعلم أنّه يمكن أن يحمل على الإشارة إلى هذا الدليل العقلي المحض على نفي جواز الجهالة قوله تعالى في سورة المؤمنين: «مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ»۱ على أن يراد بالولد من يحكم من عند نفسه بإذن اللّه المطلق ، وبالإله من يحكم بدون إذنه ، وبالخلق الافتراء ، وبالعلوّ الاستعلاء ، وقوله تعالى في سورة يوسف : «أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللّهُ الواحد القهّار»۲ فإنّ الأرباب أهل الجهالة المتبوعون ، كما في قوله في سورة التوبة : «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ»۳ .
الدليل العقلي الثاني :
(فَلَوْ كَانَتِ) . الفاء للتعقيب والترتيب الذكري ، كما يكون في الانتقال من استدلال إلى استدلال آخر أو الانتقال من تمهيد مقدّمة إلى استدلال .
(الْجَهَالَةُ جَائِزَةً لِأَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، لَجَازَ وَضْعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ) .
المراد بالتكليف الأدب والتعليم ، والمراد بوضعه عنهم أن يكلهم اللّه تعالى إلى اجتهادهم وارتيائهم بعقولهم في كلّ شيء كما هو زعم الفلاسفة ، والمراد بجواز وضعه أن لا يجب على اللّه تعالى عقلاً ، كما هو زعم السيّد المرتضى حيث قال في أوّل الشافي :
أحد ما احتيج إلى الإمام به كونه بيانا ، بمعنى أنّه مبيّن للشرع وكاشف عن ملتبس ۴