119
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

الدِّين وغامضه ، غير أنّ هذه العلّة ليست الموجبة للحاجة إلى الإمام في كلّ زمان وفي كلّ حال ؛ لأنّ الشرع إذا كان قد أجاز ۱ أن لا تقع العبادة به ، لم يحتج إلى مبيّن فيه . ۲ انتهى .
والملازمة هنا ضروريّة ؛ لأنّا نعلم ضرورةً أنّه لو جاز على اللّه الرخصة في الاجتهاد في بعض الأحكام التي يحتاج إليها جمهور الناس أو أكثرها ـ كما هو زعم أهل الجهالة ـ لجاز عليه الرخصة في الاجتهاد في جميعها ، بأن لا يكون تعليم أصلاً ، أو لا يبقى ضروري للدِّين أصلاً .
وهذا إلى قوله : «أهل الدهر» قياس مركّب، وهو من قياس الخلف ۳ ، والمقدّمة الاستثنائيّة مطويّة في كلّ مرتبة فيقدّر هنا ، لكن لم يجز وضع التكليف .
(وَفِي جَوازِ ذلِكَ) . دليل على ۴ المقدّمة الاستثنائيّة .
(بُطْلَانُ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْادَابِ) . المراد ببطلانها كون إنزال الكتب وبعث الرسل وتعليم الآداب من اللّه تعالى بصفة المباح لم يوجبها على اللّه تعالى الحكمة ، فيكون رفعها أولى ؛ لأنّها عبث ، ولم يكتف في الدليل بهذا ، مع أنّه كاف مماشاةً مع منكري الشرائع .
وبهذا يتّضح ما في رواية البرقي في كتاب المحاسن في باب المقاييس والرأي عن أبي عبداللّه عليه السلام في رسالة إلى أصحاب الرأي والقياس :
أمّا بعد فإنّه من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقاييس لم ينصف ولم يُصب حظّه ؛ لأنّ المدعوّ إلى ذلك لا يخلو أيضا من الارتياء والمقاييس ، ومتى ما لم يكن بالداعي قوّة في دعائه على المدعوّ لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعوّ بعد قليل ؛ لأنّا قد رأينا

1.في النسخ : «جاز» . والمثبت عن المصدر .

2.الشافي ، ج ۱ ، ص ۴۳ .

3.قياس الخلف هو قياس مركّب يثبت المطلوب بإبطال نقيضه ، وخلاصته : أنّه لو لم يصدق المطلوب لصدق نقيضه ، ولكن نقيضه ليس بصادق ؛ لأنّ صدقه يستلزم الخلف ، فيجب أن يكون المطلوب صادقا . المنطق للمظفر ، ص ۳۰۳ وفي طبعة اُخرى ، ص ۲۹۱ .

4.في «ج» + «وضع» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
118

الهرج والمرج بدون أن يعطيهم ما إذا قبلوا نجوا ، فيكون الفطن والعقول وبالاً عليهم بدون تقصيرهم .
ولا ينتقض بزمان غيبة الإمام ؛ لأنّ الجمهور قد أتوا من قِبَلِ أنفسهم حيث لم يقبلوا عطاء اللّه وحجّته على بريّته ، والقليل المُسلمون المُسَلِّمون لا تخرب الدنيا ولا يتعطّل المعاش بكفّهم أنفسهم عن الحكم في المختلف فيه بالرأي .
واعلم أنّه يمكن أن يحمل على الإشارة إلى هذا الدليل العقلي المحض على نفي جواز الجهالة قوله تعالى في سورة المؤمنين: «مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ»۱ على أن يراد بالولد من يحكم من عند نفسه بإذن اللّه المطلق ، وبالإله من يحكم بدون إذنه ، وبالخلق الافتراء ، وبالعلوّ الاستعلاء ، وقوله تعالى في سورة يوسف : «أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللّهُ الواحد القهّار»۲ فإنّ الأرباب أهل الجهالة المتبوعون ، كما في قوله في سورة التوبة : «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ»۳ .

الدليل العقلي الثاني :

(فَلَوْ كَانَتِ) . الفاء للتعقيب والترتيب الذكري ، كما يكون في الانتقال من استدلال إلى استدلال آخر أو الانتقال من تمهيد مقدّمة إلى استدلال .
(الْجَهَالَةُ جَائِزَةً لِأَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، لَجَازَ وَضْعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ) .
المراد بالتكليف الأدب والتعليم ، والمراد بوضعه عنهم أن يكلهم اللّه تعالى إلى اجتهادهم وارتيائهم بعقولهم في كلّ شيء كما هو زعم الفلاسفة ، والمراد بجواز وضعه أن لا يجب على اللّه تعالى عقلاً ، كما هو زعم السيّد المرتضى حيث قال في أوّل الشافي :
أحد ما احتيج إلى الإمام به كونه بيانا ، بمعنى أنّه مبيّن للشرع وكاشف عن ملتبس ۴

1.المؤمنون (۲۳) : ۹۱ .

2.يوسف (۱۲) : ۳۹ .

3.التوبة (۹) : ۳۱ .

4.التبس الأمر : اختلط واشتبه .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 119339
صفحه از 602
پرینت  ارسال به