121
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

والملازمة هنا لا تحتاج إلى بيان ، والمقدّمة الاستثنائيّة المطويّة هنا قولنا : «ولكنّها لم تبطل» .
(وَفِي رَفْعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْادَابِ) . دليل على المقدّمة الاستثنائيّة .
(فَسَادُ التَّدْبِيرِ ، وَالرُّجُوعُ إِلى قَوْلِ أَهْلِ الدَّهْرِ) أي أن يكون خلق الإنسان عبثا بأن تكون الحياة منحصرة في الحياة الدنيا ، والمعطوف لإيضاح المعطوف عليه ؛ يعني إذا خلا زمان عن إنزال كتاب وبعث رسول بإعلام آداب لأجل أهل ذلك الزمان ، كان حياتهم منحصرة في الحياة الدنيا، لا يبعثون لثواب أو عقاب ، فكان خلقهم فيه عبثا ؛ لأنّ الدنيا دار ممرّ لا دار مقرّ ، ألا ترى أنّه قد سُلّط شرارها وظلمتُها على خيارها ومحسنيها ، وأنّه قد بسط فيها رزق الحمق أكثر من اُولي الألباب .
وبالجملة ، هي دار تعب وعناء ، وشرّ وبلاء ، دواؤها داء ، ونعيمها بلاء ، وحياتها فناء ، ألا ترى إلى كثرة الآلام والمصائب والعاهات والنوائب ، والمسكين ابن آدم إنّما لايتمنّى الموت والخروج منها لما يرى من شدائد الأمراض وسكرات الموت فهو ۱ كالمحبوس فيها .
والمقدّمة الاستثنائيّة المطويّة هنا قولنا : ولكن فساد التدبير والرجوع إلى قول أهل الدهر باطل ؛ لأدلّة حدوث العالم وحكمة المحدث .
والمراد بأهل الدهر الدهريّة ، عدل عنه ليناسب قوله : «من اصطلاح أهل دهرنا» .
والدهر ـ بالفتح ـ : الامتداد الزماني من حيث إنّه ظرف للحوادث . ۲ والدهريّة ـ بالفتح وقد يضمّ ـ : الذين قالوا : «إِنْ هِيَ إِلَا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا»۳ كما حكي في سورة الأنعام وسورة المؤمنين ، ومثله في سورة الجاثية ۴ ، يعنون أنّ الأفاعيل الواقعة في العالم ـ كالحياة والموت ـ صادرة عن الطبائع لا عن حكيم ، وأنّ الأجسام ليس لها محدث بلا

1.في «ج» : «وهو» .

2.اُنظر: المصباح المنير ، ص ۲۰۱ (دهر) .

3.الأنعام (۶) : ۲۹ .

4.المؤمنون (۲۳) : ۳۷ ؛ الجاثية (۴۵) : ۲۴ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
120

المتعلّم الطالب ربما كان فائقا المعلّمَ ولو بعد حين ، ورأينا المعلّم الداعي ربّما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو ، وفي ذلك تحيّر الجاهلون ، وشكّ المرتابون ، وظنّ الظانّون .
ولو كان ذلك عند اللّه جائزا لم يبعث اللّه الرسل بما فيه الفصل ، ولم ينه عن الهزل ، ولم يعب الجهل ، ولكنّ الناس لمّا سفّهوا الحقّ وغمطوا ۱ النعمة ، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم اللّه ، واكتفوا بذلك دون رسله والقوّام بأمره وقالوا : لا شيء إلّا ما أدركته عقولنا وعرفته ألبابنا ، فولّاهم اللّه ما تولّوا وأهملهم وخذلهم حتّى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون .
ولو كان اللّه رضي منهم اجتهادهم وارتياءهم فيما ادّعوا من ذلك ، لم يبعث اللّه إليهم فاصلاً لما بينهم ، ولا زاجرا عن وصفهم ، وإنّما استدللنا أنّ رضا اللّه غير ذلك ببعثة الرسل بالاُمور القيّمة الصحيحة ، والتحذير عن الاُمور المشكلة المفسدة ، ثمّ جعلهم أبوابه وصراطه والأدلّاء عليه باُمور محجوبة عن الرأي والقياس ، فمن طلب ما عند اللّه بقياس ورأي ، لم يزدد من اللّه إلّا بُعدا ، ولم نره ۲ يبعث رسولاً قط وإن طال عمره قابلاً من الناس خلاف ما جاء به حتّى يكون متبوعا مرّة وتابعا اُخرى ، ولم نره ۳ أيضا فيما جاء به استعمل رأيا ولا مقياسا حتّى يكون ذلك واضحا عنده كالوحي من اللّه ، وفي ذلك دليل لكلّ ذي لبّ وحجى أنّ أصحاب الرأي والمقاييس مخطئون مدحضون ، وإنّما الاختلاف فيما دون الرسل ، لا في الرسل ، فإيّاك أيّها المستمع أن تجمع عليك خصلتين : إحداهما : القذف بما جاش به صدرك واتّباعك لنفسك إلى غير قصد ولا معرفة حدّ ، ۴ والاُخرى : استغناؤك عمّا فيه حاجتك وتكذيبك لمن إليه مردّك ، وإيّاك وترك الحقّ سآمة وملالة ، وانتجاعك الباطل جهلاً وضلالة ، لأنّا لم نجد تابعا لهواه جائزا عمّا ذكرنا قط رشيدا فانظر في ذلك . ۵ انتهى .

1.غمط النعمة والعافية، أي لم يشكرهما . العين ، ج ۴ ، ص ۳۸۹ (غمط) ؛ وفي معجم مقاييس اللغة ، ج ۴ ، ص ۳۹۶ : «غمط النعمة: احتقرها، وغمط الناس: احتقرهم» .

2.في المحاسن : - «نره» .

3.في المحاسن : «ولم ير» .

4.في «ج» : «جذر» وفي «أ ، د» : «حذر» والمثبت عن المحاسن .

5.المحاسن ، ج ۱ ، ص ۲۰۹ ، باب المقائيس والرأي ، ح ۷۶ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۲۷ ، ص ۵۰ ، ح ۳۳۱۸۲ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 119312
صفحه از 602
پرینت  ارسال به