والملازمة هنا لا تحتاج إلى بيان ، والمقدّمة الاستثنائيّة المطويّة هنا قولنا : «ولكنّها لم تبطل» .
(وَفِي رَفْعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْادَابِ) . دليل على المقدّمة الاستثنائيّة .
(فَسَادُ التَّدْبِيرِ ، وَالرُّجُوعُ إِلى قَوْلِ أَهْلِ الدَّهْرِ) أي أن يكون خلق الإنسان عبثا بأن تكون الحياة منحصرة في الحياة الدنيا ، والمعطوف لإيضاح المعطوف عليه ؛ يعني إذا خلا زمان عن إنزال كتاب وبعث رسول بإعلام آداب لأجل أهل ذلك الزمان ، كان حياتهم منحصرة في الحياة الدنيا، لا يبعثون لثواب أو عقاب ، فكان خلقهم فيه عبثا ؛ لأنّ الدنيا دار ممرّ لا دار مقرّ ، ألا ترى أنّه قد سُلّط شرارها وظلمتُها على خيارها ومحسنيها ، وأنّه قد بسط فيها رزق الحمق أكثر من اُولي الألباب .
وبالجملة ، هي دار تعب وعناء ، وشرّ وبلاء ، دواؤها داء ، ونعيمها بلاء ، وحياتها فناء ، ألا ترى إلى كثرة الآلام والمصائب والعاهات والنوائب ، والمسكين ابن آدم إنّما لايتمنّى الموت والخروج منها لما يرى من شدائد الأمراض وسكرات الموت فهو ۱ كالمحبوس فيها .
والمقدّمة الاستثنائيّة المطويّة هنا قولنا : ولكن فساد التدبير والرجوع إلى قول أهل الدهر باطل ؛ لأدلّة حدوث العالم وحكمة المحدث .
والمراد بأهل الدهر الدهريّة ، عدل عنه ليناسب قوله : «من اصطلاح أهل دهرنا» .
والدهر ـ بالفتح ـ : الامتداد الزماني من حيث إنّه ظرف للحوادث . ۲ والدهريّة ـ بالفتح وقد يضمّ ـ : الذين قالوا : «إِنْ هِيَ إِلَا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا»۳ كما حكي في سورة الأنعام وسورة المؤمنين ، ومثله في سورة الجاثية ۴ ، يعنون أنّ الأفاعيل الواقعة في العالم ـ كالحياة والموت ـ صادرة عن الطبائع لا عن حكيم ، وأنّ الأجسام ليس لها محدث بلا