ويظهر بهذا التقرير أنّ قوله بعد ذلك : «وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ»۱ على قراءة الجرّ عطف على الحقّ ، وهو لبيان موضع وجوب التقيّة .
(فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً) أي عند المدعوّين .
(لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ) أي علم المدعوّين بأنّ حكم الداعي شهادة بالحقّ .
(وَلَوْ لَا الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً) فضلاً عمّا علم أنّه ليس شهادة .
(وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ ـ المُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَة ـ إِلَى اللّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ عَلَيْهِ فَقَبِلَ عَمَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ) الشاكَّ المستضعف ، وهو الذي لم يطّلع على اليقين ، أي الآيات البيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ والاختلاف عن ظنّ ، أو اطّلع عليها ولم يفهمها ؛ لكونه عجيما كما يجيء في «كتاب الإيمان والكفر» في أول «باب الشكّ» وهو السبعون والمائة من قوله : «إنّما الشكّ ما لم يأت اليقين ، فإذا جاء اليقين لم يجز الشكّ» .
«المؤدّي» أي لفرائض اللّه بغير علم وبصيرة ، أي بتقليد أهل الظنّ كما في عوامّ الشيعة الإماميّة .
جملة : «إن شاء» استئناف بياني موافق لآية سورة النساء : «إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ نِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَعَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا» . ۲(لأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَفْرُوضَ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ ) . الباء للسببيّة أو للمصاحبة ، هذا الشرط عليه معلوم له من شواهد الربوبيّة في السماوات والأرضين ، كما يجيء في «كتاب الحجّة» في ثاني «باب الاضطرار إلى الحجّة» وهو الأوّل من قوله : «من عرف أنّ له ربّا فقد ينبغي له أن يعرف أنّ لذلك الربّ رضا وسخطا ، وأنّه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحي أو رسول» إلى آخره ، وكما في أمثال آية سورة المؤمنين : «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ»۳ .