133
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

ويظهر بهذا التقرير أنّ قوله بعد ذلك : «وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ»۱ على قراءة الجرّ عطف على الحقّ ، وهو لبيان موضع وجوب التقيّة .
(فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً) أي عند المدعوّين .
(لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ) أي علم المدعوّين بأنّ حكم الداعي شهادة بالحقّ .
(وَلَوْ لَا الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً) فضلاً عمّا علم أنّه ليس شهادة .
(وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ ـ المُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَة ـ إِلَى اللّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ عَلَيْهِ فَقَبِلَ عَمَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ) الشاكَّ المستضعف ، وهو الذي لم يطّلع على اليقين ، أي الآيات البيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ والاختلاف عن ظنّ ، أو اطّلع عليها ولم يفهمها ؛ لكونه عجيما كما يجيء في «كتاب الإيمان والكفر» في أول «باب الشكّ» وهو السبعون والمائة من قوله : «إنّما الشكّ ما لم يأت اليقين ، فإذا جاء اليقين لم يجز الشكّ» .
«المؤدّي» أي لفرائض اللّه بغير علم وبصيرة ، أي بتقليد أهل الظنّ كما في عوامّ الشيعة الإماميّة .
جملة : «إن شاء» استئناف بياني موافق لآية سورة النساء : «إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ نِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَعَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا» . ۲(لأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَفْرُوضَ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ ) . الباء للسببيّة أو للمصاحبة ، هذا الشرط عليه معلوم له من شواهد الربوبيّة في السماوات والأرضين ، كما يجيء في «كتاب الحجّة» في ثاني «باب الاضطرار إلى الحجّة» وهو الأوّل من قوله : «من عرف أنّ له ربّا فقد ينبغي له أن يعرف أنّ لذلك الربّ رضا وسخطا ، وأنّه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحي أو رسول» إلى آخره ، وكما في أمثال آية سورة المؤمنين : «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ»۳ .

1.الزخرف (۴۳) : ۸۸ .

2.النساء (۴) : ۹۸ و ۹۹ .

3.المؤمنون (۲۳) : ۱۱۵ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
132

(الْمُصَدِّقَ لَا يَكُونُ مُصَدِّقا حَتّى يَكُونَ عَارِفا بِمَا صَدَّقَ بِهِ) . الباء صلة «صدّق» . والمراد بما صدّق به ربوبيّة اللّه تعالى .
(مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ) . الشكّ هنا ليس على اصطلاح المتكلِّمين ، وهو تساوي احتمال الإيجاب والسلب ، بل على معنى محض ۱ احتمال الطرف المخالف ، وهو المراد بالشبهة أيضا .
(لأَنَّ الشَّاكَّ لَا يَكُونُ لَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّقَرُّبِ مِثْلُ مَا يَكُونُ مِن الْعَالِمِ الْمُسْتَيْقِنِ) أي لأنّ الشاكّ مشرك قد عبد مَن اتّبع ظنّه وحكمه في الدِّين كالذين اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه بخلاف العالم .
ويستنبط ممّا ذكره المصنّف ـ رحمه اللّه تعالى ـ أنّ التصديق المعتبر في حدّ الإيمان ليس محض العلم ، ولا العلم مع الإقرار لفظا ، بل ما يساوق الطوع ، أي الرغبة والرهبة المتأكّدة التي لا تكون إلّا للعالم بما يؤدّيه للتصديق بربوبيّة اللّه تعالى ؛ يُقال : خضع لزيد ـ كمنع ـ : إذا تذلّل له . والتقرّب طلب القرب .
(وَقَدْ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ) في سورة الزخرف : ( «إِلَا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ»۲ ) .
هذا بعد قوله : «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ» أي لا يستحقّ الرؤساء ـ الذين يدعون الناس إلى أنفسهم من دون إذن اللّه ـ الازدواج ، بمعنى قبول المدعوّين قولهم والعمل بأمرهم ونهيهم ، والاستثناء من «الذين» وهو منقطع ، والشهادة الخبر اليقيني ، والباء للملابسة ، والحقّ ما وافق الحكمة ورعاية المصلحة ، والظرف حال [عن] ضمير «شهد» ، وهو احتراز عن الشهادة في موضع وجوب التقيّة ، وضمير«هم» للمدعوّين .
والمراد بالعلم العلم بالشهاده بالحقّ ؛ أي لكن يملك شفاعة المدعوّين مَن حكم حكما يقينيّا بالحقّ حال كون المدعوّين عالمين بأنّه حكم يقيني بالحقّ .

1.في «د» : «أصل» .

2.الزخرف (۴۳) : ۸۶ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 119193
صفحه از 602
پرینت  ارسال به