15
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

و دليل آخر من مفهوم الآية الكريمة : «ذ لِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلَامٍ لِّلْعَبِيدِ»۱ فإنّه نفى الظلم عن نفسه جلّ و تعالى، و معنى الظلم ترك ما يجب وَ ينبغي فعله، فإذا فعل الفاعل شيئا لم يجب أن يفعل يقال: ظلما؛ فلهذا نفى عن نفسه أنّ ما فعله بهم ليس بظلم، بل تسبّب ما كسبت أيديهم و وجوب المكافاة .
فأجبتُه: أمّا الدليل الأوّل فلم يلزم من تركه للتّوعد الخلف؛ فإنّ العبد قد يفعل فعلاً يرضى اللّه به عنه، فيعفو عنه، أو يندم فيتوب اللّه عليه، و إذا لم تجوّزوا العفو و لاقبول التوبة فقد خالفتم القرآن بوروده بقبول التوبة و بالعفو عن الذنوب في مواضع كثيرة، و أغريتم المسيء بترك التوبة إذا علم أنّ اللّه لم يعف، و نفيتم عن اللّه تعالى صفة العفو التي هي من أحسن صفاته، و لأنّ العفو لايكون إلاّ عن ذنب، فإذا أردتم إثباتها له لزمكم القول بالعفو عن إساءة المسيء، و يلزمكم نفي قبول التوبة. و إذا قلتم بأنّ اللّه تعالى عفوّ و لم يعف عن صاحب الذنب، فمن أين تحصل صفة العفو له؛ لأنّ المحسن لايحتاج إلى عفو. و أمّا تارك الوعيد فلا يقال له: مخلف، كما إذا أخلف الوعد؛ لأنّ مخلف الوعد مذموم، و مخلف الوعيد ممدوح؛ لأنّه صفح و عفى، و هذا أيضا مشهور عند العرب، قال الشاعر :

و إنّي و إن أوعدته و وعدتهلمخلفٌ إيعادي و مُنجزٌ موعدي
فهو يمدح نفسه بخلف إيعاده و بإنجاز موعده .
و أمّا الدليل الثاني فإنّ قوله تعالى : «ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أيْديكُمْ» يعنى إنّ هذا العقاب الذي عاقبناكم به إنّما كان بسبب فعلكم السيّئات و ارتكاب هذه الخطايا، فإذا جازيناكم و عاملناكم بالانتقام لم نكن ظالمين لكم، بل كنتم مستحقّين لذلك و جازيناكم بما فعلهم؛ فإنّ نفي الظلم عنه بسبب أنّ ما فعله بهم على خطائهم ليس بظلم، و العقل يشهد بذلك؛ فإنّك إذا جازيت مسيئا على إساءته قالت الناس: لم يكن ظالما، و إذا جازيت المحسن أو من لم يقترف سيّئة ماساءته، يقولون: قد ظلم، و هذا أمر بديهيّ، و لاحاجة به إلى تأويل الظلم بهذا التأويل البعيد، فانقطع و لم يحرجوا به، فلم أدر أنّه اعترف أو مراعاة لي عن المباحثة في هذا المجلس، و

1.آل عمران (۳) : ۱۸۲ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
14

عشريّة»، ۱ وعبّر عنه بعضهم بأنّه: «فاضل عالم، حكيم متكلّم محقّق مدقّق، فقيه محدّث، ثقة ثقة، جامع للفضائل، ماهر معاصر». ۲ وقال آخر: «المولى الكبير الجليل، مولانا خليل بن الغازي القزويني، فاضل عالم، متكلّم اُصولي، جامع دقيق النظر، قويّ الفكر، من أجلّة مشاهير علماء عصرنا، و أكمل أكابر فضلاء دهرنا». ۳ وأمثال ذلك.

2/2. مناظرته

كانت إحدى مناظرات ملّا خليل مع العلماء مناظرته مع السيّد عليّ خان بن خلف المشعشعي الحويزي، وقد نقل هذه المناظرة السيّد عليّ خان في الباب الثالث من كتابه الموسوم ب «نكت البيان وأدب الأعيان»، ۴ كما أن المرحوم الخياباني نقلها في وقائع شهر المحرّم من كتابه وقائع الأيام، ونصّها كالآتي:
فى ذكر مباحثات جرت بيننا و بين بعض الفضلاء من أهل زماننا أو ممّن تقدّم علينا. فمن ذلك ماجرى بيني و بين الشيخ العالم الفاضل العامل الكامل الملاّ خليل القزوينى، و قد اجتمعنا معه في مجلس جمع جماعة من أهل الفضل و غيرهم، و كنت قد بلغنى أنّه يقول بالوعيد .
فقلت له : بلغني أنّ شيخنا يقول بالوعيد أو يميل إليه .
فقال : و ما الذي يمنع عن ذلك ؟
فقلت : الموانع كثيرة، لكنّا نطلب منك الدليل عليه .
فقال : الدليل أنّ اللّه تعالى وعد و توعّد و قوله الحقّ و الصدق، فإذا لم يعاقب المجرم على جرمه كان قد أخلف ما توعّد به، فكما أنّه لم يجز أن يخلف وعده إذا وعد بالإحسان و الثواب، فلم يجز أن يخلف توعّده إذا توعّد بالإساءة و العقاب، فنكون قد نسبنا اللّه تعالى إلى الكذب؛ تعالى اللّه عن ذلك.

1.قصص الخاقاني، لولي قلى بن داود قلي شاملو، ج ۲، ص ۳۶.

2.أمل الآمل، شيخ محمّد حسن الحرّ العاملي، ج ۲، ص ۱۱۲.

3.المصدر الساقق مع الترجمة.

4.الذريعة، ج ۲۴، ص ۳۰۳.

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 97692
صفحه از 602
پرینت  ارسال به