اللّه تعالى بالعقل على أهل الجهل .
والمقصود أنّه لو لم يتحقّق العقل في بعض المكلّفين لم يتمّ الاحتجاج على الجاهل ، واللام في : «له الثواب» تعليليّة و«على» في «عليه العقاب» بنائيّة ، وسيتّضح في شرح أوّل أوّل ۱ «كتاب العقل» عند قوله : «إيّاك اُعاقب وإيّاك اُثيب» .
والحاصل : أنّ جميع ما يذكر في أبواب كتاب العقل لبيان كيفيّة رعاية الآداب الحسنة في تحصيل علم الدِّين والعمل به ، وكيفيّة الاجتناب عن الإخلال بتلك الآداب ؛ إمّا بالدلالة المطابقيّة وإمّا بالدلالة الالتزاميّة ، فظهر أنّ القوانين المتعلّقة بالعقل المذكورة في كتاب العقل ميزان اللّه ، ومظهره في طلب علم الدِّين والعمل به ومنطقه واُصول فقهه ، عاصمة لطالب علم الشريعة والعمل به عن الخطأ في الطلب ، كقانون وجوب تقديم اتّباع محكمات القرآن على اتّباع متشابهاته .
وسيجيء في ثاني عشر «باب العقل والجهل» ؛ فتقديم كتاب العقل على سائر الكتب كتقديم الفلاسفة فنّ منطقهم على مقاصدهم .
هذا ، وليس المحتاج إليه من قوانين منطقهم إلّا اُمورا سهلة النفع ، مركوزة في عقول العوامّ أيضا ، لا حاجة كثيرا إلى تدوينها ، بل هي نقطة كثّرها الجاهلون ، وحسبك دليلاً على أنّ منطقهم لا يفي بالعصمة عن الخطأ كثرةُ مناقضات متعاطيه ومعلّميه ، فربّ عالمٍ به قتله جهلُه ، وعلمه به معه لا ينفعه وإن استعان به .
ونقل شارح المقاصد في المبحث الثاني من الفصل الثالث من المقصد الأوّل عن الفخر الرازي أنّه قال :
لا نزاع في أنّ النظر ۲ يفيد الظنّ ، وإنّما النزاع في إفادته اليقين ، وأنكره السمنيّة ۳ مطلقا
1.أي في الحديث ۱ من الباب الأوّل من كتاب العقل .
2.النظر : ترتيب اُمور ذهنيّة يتوصّل بها إلى اُخر . معارج الفهم في شرح النظم ، ص ۷۵ ؛ وانظر: المحصّل للرازي ، ص ۱۲۱ .
3.السُّمَنية ـ بضم السين وفتح الميم مخففة ـ : فرقة تعبد الأصنام وتقول بالتناسخ ، وتنكر حصول العلم بالأخبار ، قيل : نسبة إلى سومنات بلدة من الهند على غير قياس . القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۳۸ ؛ قوانين الاصول ، ص ۴۲۱ . وفي فهرست ابن النديم ، ص ۴۰۸ : «بني السمنية بوداسف ، وعلى هذا المذهب كان أكثر أهل ماوراء النهر قبل الإسلام» .