157
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

اللّه تعالى بالعقل على أهل الجهل .
والمقصود أنّه لو لم يتحقّق العقل في بعض المكلّفين لم يتمّ الاحتجاج على الجاهل ، واللام في : «له الثواب» تعليليّة و«على» في «عليه العقاب» بنائيّة ، وسيتّضح في شرح أوّل أوّل ۱ «كتاب العقل» عند قوله : «إيّاك اُعاقب وإيّاك اُثيب» .
والحاصل : أنّ جميع ما يذكر في أبواب كتاب العقل لبيان كيفيّة رعاية الآداب الحسنة في تحصيل علم الدِّين والعمل به ، وكيفيّة الاجتناب عن الإخلال بتلك الآداب ؛ إمّا بالدلالة المطابقيّة وإمّا بالدلالة الالتزاميّة ، فظهر أنّ القوانين المتعلّقة بالعقل المذكورة في كتاب العقل ميزان اللّه ، ومظهره في طلب علم الدِّين والعمل به ومنطقه واُصول فقهه ، عاصمة لطالب علم الشريعة والعمل به عن الخطأ في الطلب ، كقانون وجوب تقديم اتّباع محكمات القرآن على اتّباع متشابهاته .
وسيجيء في ثاني عشر «باب العقل والجهل» ؛ فتقديم كتاب العقل على سائر الكتب كتقديم الفلاسفة فنّ منطقهم على مقاصدهم .
هذا ، وليس المحتاج إليه من قوانين منطقهم إلّا اُمورا سهلة النفع ، مركوزة في عقول العوامّ أيضا ، لا حاجة كثيرا إلى تدوينها ، بل هي نقطة كثّرها الجاهلون ، وحسبك دليلاً على أنّ منطقهم لا يفي بالعصمة عن الخطأ كثرةُ مناقضات متعاطيه ومعلّميه ، فربّ عالمٍ به قتله جهلُه ، وعلمه به معه لا ينفعه وإن استعان به .
ونقل شارح المقاصد في المبحث الثاني من الفصل الثالث من المقصد الأوّل عن الفخر الرازي أنّه قال :
لا نزاع في أنّ النظر ۲ يفيد الظنّ ، وإنّما النزاع في إفادته اليقين ، وأنكره السمنيّة ۳ مطلقا

1.أي في الحديث ۱ من الباب الأوّل من كتاب العقل .

2.النظر : ترتيب اُمور ذهنيّة يتوصّل بها إلى اُخر . معارج الفهم في شرح النظم ، ص ۷۵ ؛ وانظر: المحصّل للرازي ، ص ۱۲۱ .

3.السُّمَنية ـ بضم السين وفتح الميم مخففة ـ : فرقة تعبد الأصنام وتقول بالتناسخ ، وتنكر حصول العلم بالأخبار ، قيل : نسبة إلى سومنات بلدة من الهند على غير قياس . القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۳۸ ؛ قوانين الاصول ، ص ۴۲۱ . وفي فهرست ابن النديم ، ص ۴۰۸ : «بني السمنية بوداسف ، وعلى هذا المذهب كان أكثر أهل ماوراء النهر قبل الإسلام» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
156

وأصل تلك الاُصول الذي يجب أن يكون أوّلاً فيها كتاب العقل ، وليس المراد بالعقل هنا ما هو شرط التكليف ، وهو مقابل الجنون ، بل المراد رعاية الآداب الحسنة بقدر الوسع في تحصيل علم الدِّين والعمل به ، وهو مقابل الجهل بمعنى الإخلال بتلك الآداب ، ولا ينافي هذا ما يجيء في ثالث أوّل «كتاب العقل» ، فإنّه بيان حقيقته لا بيان مفهومه .
(وَفَضَائِلُ۱الْعِلْمِ ، وَارْتِفَاعُ دَرَجَةِ أَهْلِهِ ، وَعُلُوُّ قَدْرِهِمْ ، وَنَقْصُ الْجَهْلِ ، وَخَسَاسَةُ أَهْلِهِ ، وَسُقُوطُ مَنْزِلَتِهِمْ) .
فضائل مرفوع معطوف على «كتاب» بعطف التفسير والتفصيل ، وكذا نظائره ، فليس من تتمّة العنوان .
واللام في «العلم» للعهد ، والمراد علم الدِّين ، وأهل العلم العاملون بالعلم ، والنقص بالفتح النقصان ، وتغيير الاُسلوب ـ حيث لم يقل : ونقائص الجهل ـ رمزٌ إلى أنّ المراد بالجهل هنا ضدّ العقل ، لا ضدّ العلم .
(إِذْ كَانَ الْعَقْلُ هُوَ الْقُطْبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَدَارُ ، وَبِهِ يُحْتَجُّ ، وَلَهُ الثَّوَابُ ، وَعَليْهِ الْعِقَابُ) .
هذا بيان وجه تقديم كتاب العقل على سائر كتب الكافي ، و«إذ» للتعليل .
وذكر «كان» إشارةٌ إلى أنّ ابتداء خلق المكلّفين والتكليف لم يكن إلّا للعقل ، موافقا لاحتمال في قوله تعالى في سورة الذاريات : «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ»۲ وهو أن يكون ضمير «يعبدون» للمؤمنين . ۳
و«القطب» بالضمّ : وتد الرحى ۴ . و«المدار» بفتح الميم ، مصدر ميمي من باب نصر ، والمراد هنا انتظام تكليف الجنّ والإنس ؛ شبّه العقل بقطب الرحى ، والتكليف بالرحى ، وانتظام التكليف بدوران الرحى على القطب .
«يحتجّ» بالمهملة وشدّ الجيم بصيغة المجهول من باب الافتعال ، والمراد احتجاج

1.في الكافي المطبوع : «وفضائلِ» بكسر الأخير .

2.الذاريات (۵۱) : ۵۵ ـ ۵۶ .

3.في حاشية «أ» : «وهم الذين يعقلون» .

4.ترتيب كتاب العين ، ج ۳ ، ص ۱۴۹۰ (قطب) .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 118707
صفحه از 602
پرینت  ارسال به