213
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

وقوله : «خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ»۱ أي حكموا من عند أنفسهم ، كما يحكم اللّه من عند نفسه ، فاشتبه الحكم على الشركاء ؛ لضعف عقولهم عن إدراكه فتردّدوا ، أو حكموا عن ظنّ ، وإن اُريد بخلق كلّ شيء ما هو ردّ على القدريّة اُريد بخلقهم كخلقه تقديرهم لكلّ كائن ، فهو إشارة إلى أنّ الحاكم من عند نفسه يجب أن يكون عالما بجميع الجهات الغير المتناهية لفعل أو ترك حتّى يعلم حسنهُ أو قبحه الواقعي ، وليس هكذا إلّا من هو مقدّر لكلّ كائن .
إن قلت : أهل الاجتهاد يستندون في جواز الاجتهاد شرعا إلى آيات من القرآن وأحاديث ، فهو من الحقّ الذي فيما أنزل .
قلت : جواز الاجتهاد مسألة اُصوليّة ، وكما أنّ الحكم في المسائل الاُصوليّة منقسم إلى حقّ وباطل ، كذلك الحكم في المسائل الفروعيّة منقسم إليهما ، فحكمهم في المسائل الفروعيّة واختلافهم فيها لابدّ أن يشتمل على الباطل وخلاف ما أنزل اللّه ؛ لاستحالة مطابقة ما أنزل للنقيضين ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال ، وخرافات المصوّبة لكلّ مجتهد ظاهر البطلان ، وقال تعالى في سورة محمّد صلى الله عليه و آله : «ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ»۲ .
«إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ» : إنّما يتنبّه للفرق بين الإمامين «أُولوُا الألْبَابِ»۳ وَقَالَ) في سورة الزمر : ( «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ» : قائم بوظائف ما أمر به ، و«أم» منقطعة ، والمعنى : بل أَمّن هو قانت من أصحاب النار . والاستفهام إنكاري ، نحو : «أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ»۴ .
وفي «كتاب الروضة» بعد حديث قوم صالح ما يدلّ على أنّ ما قبله نزل في أبي بكر ، وأنّ المراد بمَن هو قانتٌ عليّ عليه السلام . ۵

1.الرعد (۱۳) : ۲۰ .

2.الرعد (۱۳) : ۱۶ .

3.محمّد صلى الله عليه و آله (۴۷) : ۳ .

4.الطور (۵۲) : ۳۹ .

5.الكافي ، ج ۸ ، ص ۲۰۴ ، ح ۲۴۶ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
212

تفضي بهم إلى التصديق بالصانع البريء من كلّ نقص ، ومن الشريك في الحكم ، وهو كقوله تعالى في سورة الرعد : «قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»۱ الآيات ، كما سيجيء بُعَيدَ هذا .
وبهذا التقرير يصير هذه الآية من النوع الأوّل ، وإنّما قرّرنا كذلك لتوسّطها بين آياته ، وإن أمكن جعلها من النوع الثاني كما ذكرنا في أمثالها .
(وَقَالَ) في سورة الرعد :
( «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» أي في القرآن من الأحكام الشرعيّة «الحَقُّ» . تعريفه باللام يدلّ على الحصر ، أي يعلم أنّه ليس حقّ إلّا وقد اُنزل في القرآن ، فلا يحكم بالاجتهاد لظنّه أنّ بعض الأحكام غير موجود فيما اُنزل ، والحكم فيه مفوّض إلى رأي المجتهد ، فلا يدخل المجتهد فيه في نحو قوله تعالى : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ»۲ ، وهذه الآية متّصلة بما قبلها من قوله : «قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِاَنفُسِهِمْ نَفْعا وَلَا ضَرّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للّهِِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ»۳ الآيات .
وقد عبّر عن هذا الحصر فيما قبل بقوله : «اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ»۴ إن اُريد به حاكم كلّ حكم يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة ، وكان كقوله : تبيان كلّ شيء ۵ ، وعبّر عن العالم به بالبصير وبالنور ونحوهما .
«كَمَنْ هُوَ أَعْمى» . هو إمام الضلالة لا يعلم أنّه لا حقَّ إلّا فيما أنزل ، وقد عبّر عنه قبلها أوّلاً بأولياء من دون اللّه ، وشبّهه بالأعمى وبالظلمات ، وعبّر عنه ثانيا وبعد الترقّي ـ بأم المنقطعة ـ بشركاء للّه .

1.الرعد (۱۳) : ۱۶ .

2.المائدة (۵) : ۴۴ .

3.مقتبس من سورة النحل (۱۶) : ۸۹ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 128108
صفحه از 602
پرینت  ارسال به