221
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

كان في شريعة كلّ رسول بقوله : «واسأل» ، فالمراد بالآلهة الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به اللّه ، كما في قوله في سورة حم عسق : «أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا»۱ الآية ، بقرينة أنّ بطلان نحو عبادة الأوثان لا يحتاج إلى سؤال ، إنّما الصعب المستصعب نفي تجويز الاختلاف ونفي الحكم بالظنّ في الدِّين .
ويمكن أن يكون المراد بـ «السؤال» هنا طلب قراءة كتبهم كما في قوله تعالى في سورة يونس : «فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فَإِنْ كُنْتَ فِى شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ»۲ أي النهي عن الاختلاف وعن الحكم بالظنّ مذكور صريحا فيما لم يحرّفوه من الكتب .
وفي «كتاب الروضة» بعد حديث آدم مع الشجرة أنّ السؤال وقع ليلة الإسراء ۳ .
ولأمثال هذه الآيات البيّنات الناهية عن الاختلاف في أحكام الدِّين ، قال تعالى في سورة آل عمران : «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْاءِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»۴ ، وقال فيها : «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْاءِسْلَامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْاخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ كَيْفَ يَهْدِى اللّهُ قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ»۵ ، وقال فيها : «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»۶ ، فمن قال ۷ من المخالفين : الأظهر أنّ النهي فيه مخصوص بالتفرّق في الاُصول دون الفروع ؛ لقوله عليه السلام : «اختلاف اُمّتي رحمة» ، ولقوله عليه السلام : «مَنْ اجتهد فأصاب فله أجران ، ومَن أخطأ فله أجر واحد» . ۸

1.الشورى (۴۲) : ۲۱ .

2.يونس (۱۰) : ۹۳ ـ ۹۴ .

3.الكافي ، ج ۸ ، ص ۱۲۱ ، ح ۹۳ .

4.آل عمران (۳) : ۱۹ .

5.آل عمران (۳) : ۸۵ ـ ۸۶ .

6.آل عمران (۳) : ۱۰۵ .

7.هو البيضاوي في تفسير سورة آل عمران .

8.تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۷۶ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
220

وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ» 1 ، فإنّ فيه خطابا لجميع الأنبياء ، لا على أنّهم خوطبوا بذلك دفعة ، لأنّهم اُرسلوا في أزمنة مختلفة ، فالمعنى أنّ كلّاً منهم خوطب به في زمانه ، فالمراد بـ «الطيّب» ما يحلّ أكله في ذلك الزمان ؛ لانتفاء قبحه فيه ، ولا ينافي أن يكون خبيثا في زمان آخر .
والمراد بالعمل الصالح 2 ما ينبغي أن يعمل في ذلك الزمان وإن كان قبيحا في زمان آخر ، وذكر أكل الطيّبات على حدة ـ مع أنّ عمل الصالح يشمله وغيرَه ـ للاهتمام .
وهذه إشارة إلى ما تقدّم من التكليفين اللّذين فيهما مجمل جميع التكاليف في جميع الأزمنة لجميع الاُمم ، لكنّه مشار إليه باعتبار التفاصيل كلٌّ في شريعة ؛ والتأنيث باعتبار الخبر ؛ والاُمّة الطريقة ، كما في قوله تعالى حكايةً : «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ» 3 فإن خصّ العمل بعمل الجوارح للاهتمام ، كانت الاُمّة مخصوصة بالفروع ، وهي المختلفة باختلاف الشرائع وإلّا عمّت .
وبالجملة ، تخصيص الاُمّة باُصول الدِّين من أبعد الاحتمالات ، فإنّ المراد بأمرهم شرع اللّه فيهم ، والأمر : الحادثة ، وتقطّع أمرهم بينهم ، أي تقسّمهم إيّاه بينهم رضاهم بالاختلاف ، وليس هذا إلّا في الفروع .
وفي قوله : «وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» 4 وعيد على التقطع وإشارة إلى أنّه شرك ، والزبر كتب المجتهدين المختلفين في الفروع ، أو هي وكتب المختلفين من نحو المتكلِّمين والاُصوليّين ، وقال تعالى في سورة الزخرف : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ» 5 نَهى عن اتّباع الرأي في الدِّين ، ثمّ أكّد النهي بأنّه

1.المؤمنون (۲۳) : ۵۱ ـ ۵۶ .

2.في النسخ : «بعمل الصالح» والمثبت موافق للقواعد .

3.الزخرف (۴۳) : ۲۲ .

4.المؤمنون (۲۳) : ۵۲ .

5.الزخرف (۴۳) : ۴۳ ـ ۴۵ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 123780
صفحه از 602
پرینت  ارسال به