223
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

(يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعَاقِلَ ، الَّذِي لَا يَشْغَلُ) ؛ بصيغة المضارع المعلوم من باب منع ، ويحتمل باب الإفعال ، والشغل ـ بالضمّ وبضمّتين ، وبالفتح وبفتحتين ـ : ضدّ الفراغ ـ وبالفتح ، وبالضمّ ـ : مصدر شغله كـ «منعه» إذا جعله غير فارغ .
(الْحَلالُ شُكْرَهُ) . فيه مجاز في التعلّق بالمفعول به ، والمقصود أنّه لا يكسب الحلال إلّا بقدر ما لا يشغله عن أداء ما أوجب اللّه عليه شكرا لنعمِهِ تعالى ، كما في سورة النور : «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْما تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ»۱ .
(وَلَا يَغْلِبُ) ؛ كيضرب . (الْحَرَامُ صَبْرَهُ) أي لا يكسب الحرام ويصبر عنه خوف يومٍ تتقلّب فيه القلوب والأبصار .
(يَا هِشَامُ ، مَنْ سَلَّطَ ثَلَاثا عَلَى ثَلَاثٍ ، فَكَأنَّمَا أَعَانَ) أي أعان هواه .
(عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ : مَنْ أَظْلَمَ) . استئناف بياني ، و«أظلم» يجيء كأضاء لازما ومتعدّيا ، والمراد هنا المتعدّي من ظَلِم الليل كعلم .
(نُورَ تَفَكُّرِهِ) أي تفكّره الذي هو كالنور في أنّه يتأتّى به الوصول إلى المطلوب ، فهو من قبيل لُجين ۲ الماء ، أو كون تفكّره بحيث يتأتّى به الوصول إلى المطلوب ؛ فالإضافة لاميّة ، وإظلامه إيّاه مجاز في النسبة .
(بِطُولِ أَمَلِهِ) أي سلّط طول الأمل على نور تفكّره ؛ فإنّ طول الأمل يمحو نور التفكّر .
(وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ) . جمع «طريف» : الحسن الغريب ، أي الكلمات البديعة المشتملة على الحكمة .
(بِفُضُولِ كَلَامِهِ) ؛ فإنّ كثرة الكلام يوجب أن لا يصدر عن الإنسان طرائف الحكمة ، ويصير جميع الكلام لَغطا ۳ .

1.النور (۲۴) : ۳۷ .

2.اللجين كزبير الفضة ، والمراد بلجين الماء ، الماء الصافي الذي يشبه اللجين .

3.اللغط : يحرك أصوات مبهمة لا تفهم .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
222

انتهى . فقد ضلّ وأضلّ .
وقال تعالى في سورة الأنعام : «وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ»۱ .
(فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً أَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً) أي أحسن عباده تسليما وقبولاً لدعوة الأنبياء والرُّسل أحسن عبادهِ اعترافا بما ذكر من أنّه ما بعث اللّه أنبياءه ورسله إلّا ليعقلوا عن اللّه ، فإنّ من لم يعرف فائدة بَعث الرسول وإنزال الكتاب لا يهتدي بهداه ؛ قال تعالى : «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»۲ .
(وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللّهِ) أي بشريعته (أَحْسَنُهُمْ عَقْلاً) أي عن اللّه .
(وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلاً) أي عن اللّه (أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ) ؛ لأنّ أكرمهم عند اللّه في الدنيا والآخرة أتقاهم ، والتقوى الخشية و «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـؤُاْ»۳ ، ولا علم إلّا بالعقل عن اللّه كما مرّ آنفا .
(يَا هِشَامُ ، إِنَّ لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ : حُجَّةً) ؛ منصوب على أنّه بدل تفصيل من «حجّتين» أو مرفوع على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، أو أحدهما حجّة .
(ظَاهِرَةً) : مرئيّة يطّلع عليها غير المحتجّ عليه أيضا .
(وَحُجَّةً بَاطِنَةً) : خفيّة ، وهي في قلب المحتجّ عليه لا يطّلع عليها غيره .
(فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ) ؛ حيث جعلهم اللّه وسائط بين اللّه والمكلّفين ليعقلوا عن اللّه ، ويحتجّ بهم على العُصاة يوم القيامة ، كما في قوله : «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ»۴ ، وقوله : «وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ»۵ .
(وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ) . مضى معناه في شرح قوله : «يا هشام إنّ اللّه تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيّين بالبيان» .

1.فاطر (۳۵) : ۲۸ .

2.الأنعام (۶) : ۱۵۳ .

3.البقرة (۲) : ۱ ـ ۲ .

4.الملك (۶۷) : ۸ .

5.هود (۱۱) : ۱۸ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 123529
صفحه از 602
پرینت  ارسال به