(يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعُقَلَاءَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَرَغِبُوا فِي الْاخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا طَالِبَةٌ) للزاهد فيها لإيفاء الرزق .
(مَطْلُوبَةٌ) للراغبين فيها بعد إيفاء الرزق .
(وَالْاخِرَةَ طَالِبَةٌ) للراغب فيها وللزاهد فيها أيضا لقبض روحه .
(وَمَطْلُوبَةٌ) للراغب فيها ، لعلّ ترك الواو في الاُوليين وذكرها في الاُخريين لأنّ متعلّق كلّ واحدة من الاُوليين غير متعلّق الاُخرى مثل «خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ»۱ والاُخريان قد تتعلّقان بواحد فهما مثل «هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»۲ . وبيان ذلك في قوله :
(فَمَنْ طَلَبَ الْاخِرَةَ ، طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا ، طَلَبَتْهُ الْاخِرَةُ ، فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ) .
(يَا هِشَامُ ، مَنْ أَرَادَ الغِنا۳) ؛ بفتح المعجمة والمدّ ، وإذا كُسِر قُصر .
(بِلَا مَالٍ ، وَرَاحَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْحَسَدِ ، وَالسَّلامَةَ فِي الدِّينِ ، فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي مَسْأَلَتِهِ بِأَنْ يُكْمِلَ عَقْلَهُ) ؛إكماله إبقاؤه إلى آخر العمر ، كما هو الأنسب بما بعده من قوله : «يا هشام إنّ اللّه » إلى آخره ، وهو الأنسب أيضا بقوله :
(فَمَنْ عَقَلَ) ؛ حيث لم يقل : ومَن كمُل عقله .
(قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ) ؛ ولم يطلب الفضول فصار غنيّا .
(وَمَنْ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ ، اسْتَغْنَى) عن الناس ۴ ، فلم يحسد أحدا واستراح ، وفيه سلامة الدِّين أيضا .
(وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَا يَكْفِيهِ ، لَمْ يُدْرِكِ الغنا۵أَبَدا) أي إذا حصل له فضل مال من فضول الدُّنيا ، اشتاقت نفسه إلى آخر .