227
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

(يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعُقَلَاءَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَرَغِبُوا فِي الْاخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا طَالِبَةٌ) للزاهد فيها لإيفاء الرزق .
(مَطْلُوبَةٌ) للراغبين فيها بعد إيفاء الرزق .
(وَالْاخِرَةَ طَالِبَةٌ) للراغب فيها وللزاهد فيها أيضا لقبض روحه .
(وَمَطْلُوبَةٌ) للراغب فيها ، لعلّ ترك الواو في الاُوليين وذكرها في الاُخريين لأنّ متعلّق كلّ واحدة من الاُوليين غير متعلّق الاُخرى مثل «خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ»۱ والاُخريان قد تتعلّقان بواحد فهما مثل «هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»۲ . وبيان ذلك في قوله :
(فَمَنْ طَلَبَ الْاخِرَةَ ، طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا ، طَلَبَتْهُ الْاخِرَةُ ، فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ) .
(يَا هِشَامُ ، مَنْ أَرَادَ الغِنا۳) ؛ بفتح المعجمة والمدّ ، وإذا كُسِر قُصر .
(بِلَا مَالٍ ، وَرَاحَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْحَسَدِ ، وَالسَّلامَةَ فِي الدِّينِ ، فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي مَسْأَلَتِهِ بِأَنْ يُكْمِلَ عَقْلَهُ) ؛إكماله إبقاؤه إلى آخر العمر ، كما هو الأنسب بما بعده من قوله : «يا هشام إنّ اللّه » إلى آخره ، وهو الأنسب أيضا بقوله :
(فَمَنْ عَقَلَ) ؛ حيث لم يقل : ومَن كمُل عقله .
(قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ) ؛ ولم يطلب الفضول فصار غنيّا .
(وَمَنْ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ ، اسْتَغْنَى) عن الناس ۴ ، فلم يحسد أحدا واستراح ، وفيه سلامة الدِّين أيضا .
(وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَا يَكْفِيهِ ، لَمْ يُدْرِكِ الغنا۵أَبَدا) أي إذا حصل له فضل مال من فضول الدُّنيا ، اشتاقت نفسه إلى آخر .

1.الواقعة (۵۶) : ۳ .

2.البقرة (۲) : ۱۸۵ .

3.في الكافي المطبوع : «الغِنى» .

4.في «ج» : - «عن الناس» .

5.في الكافي المطبوع : «الغنى» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
226

(مَقْبُولٌ مُضَاعَفٌ ، وَكَثِيرُ الْعَمَلِ مِنْ أَهْلِ الْهَوى۱وَالْجَهْلِ) ؛ ضدّ العلم .
والمراد بأهل الهوى والجهل العاملون بمقتضى الهوى وبمقتضى الظنّ والاعتقاد المبتدأ كأئمّة الضلالة وأتباعهم ، فإنّ غاية ما يدّعون لأنفسهم الظنون ، وليست بعلم ، ولا واسطة بين العلم والجهل .
(مَرْدُودٌ) ؛ فإنّ العمل إنّما يُتقبَّل ممّن أتى به على شروطه ومن شروطه ، العلم .
(يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ) أي الدنيّ .
(مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ) ؛ أي الفهم والعقل كما مرّ عند قوله : «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ»۲ .
(وَلَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا ؛ فَلِذلِكَ۳رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ) ؛ حيث أعطوا العالي من الدنيا وأخذوا العالي من الحكمة . وضمير الجمع لأنّ المراد بالعاقل الجنس .
(يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعُقَلَاءَ تَرَكُوا فُضُولَ الدُّنْيَا) من المباحات التي لا تضرّ صاحبها .
(فَكَيْفَ الذُّنُوبَ) أي تركهم مُضرّات الدنيا ومحظوراتها بطريقٍ أولى .
(وَتَرْكُ الدُّنْيَا) . الواو للحال ، أي ترك فضول الدنيا (مِنَ الْفَضْلِ) أي من الاُمور الفاضلة المستحبّة التي لا يُذمّ ولا يُعاقب على فقدها .
(وَتَرْكُ الذُّنُوبِ مِنَ الْفَرْضِ) أي ممّا يذمّ ويُعاقب على فقده .
(يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا) أي إلى فضولها (وَ إِلى أَهْلِهَا ، فَعَلِمَ أَنَّهَا) أي الدنيا التي في أيدي هذه الجماعة التي هم أهلها .
(لَا تُنَالُ إِلَا بِالْمَشَقَّةِ ، وَنَظَرَ إِلَى الْاخِرَةِ) . لم يقل : وأهلها ، لأنّ نيل الآخرة لا يحتاج إلى سلبها من أحد .
(فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَا بِالْمَشَقَّةِ ، فَطَلَبَ بِالْمَشَقَّةِ أَبْقَاهُمَا) . وهي الآخرة ، وهذا لأنّ الجمع بينهما متعذّرٌ أو متعسّر جدّا .

1.لقمان (۳۱) : ۱۲ .

2.في «ج ، د» : + «ضد العقل» ، ولا داعي له .

3.في حاشية «أ» : «فكذلك خ ل» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 123285
صفحه از 602
پرینت  ارسال به