بـ «عن» بتضمين معنى الأخذ ؛ أي من لم يأخذ العلم بما يحتاج إليه من الحكم الشرعي عن اللّه بالتأدّب بالآداب الحسنة في تحصيل العلم ، وهو الذي لم يأخذ تأويل ما تشابه من الراسخين في العلم الذين يقولون : آمنّا به ، كلٌّ من عند ربّنا ۱ ، مع أنّه ليس من الراسخين في العلم ، فتبع ظنّه ، أو ظنّ غيره .
(وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّهِ ، لَمْ يَعْقِدْ قَلْبَهُ عَلى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَيَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ) . هذا بيان للسابق . يقال : عقد ـ كضرب ـ الحبل على الوتد ، أي شدّه . و«قلبه» منصوب بالمفعوليّة .
والمراد بـ «معرفةٍ» معرفةُ الآيات البيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ ، والآمرة بسؤال أهل الذِّكر عمّا لا يعلم . و«ثابتة» بالجرّ صفة معرفة ، أي ليس معها شكّ . و«يبصرها» بصيغة المعلوم من باب الإفعال صفة موضحة لـ «ثابتة» ، والضمير المستتر للعاقد .
والحقيقة ضدّ المجاز ، وهو ما يشابهها أي يعلم أنّه لم يتخلّف عنها شيء من لوازم المعرفة ، وهذا كقوله تعالى في سورة النمل : «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ»۲ ، وكقوله في سورة آل عمران : «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» .
(وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذلِكَ إِلَا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقا ، وَسِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقا) . المشار ۳ إليه في قوله : «كذلك» العاقل عن اللّه ، أو المنفيّ في قوله : «لم يعقد» أي العاقد قلبه . والمقصود أنّه ليس كذلك عند غير المتوسّمين ۴ ، حتّى يشهد عليه بأنّه عاقل .
ويجيء بيان المتوسّمين في «كتاب الحجّة» في أحاديث «باب أنّ المتوسّمين الذين ذكرهم اللّه عزّ وجلّ في كتابه هم الأئمّة ، والسبيل فيهم مقيم» .