229
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

بـ «عن» بتضمين معنى الأخذ ؛ أي من لم يأخذ العلم بما يحتاج إليه من الحكم الشرعي عن اللّه بالتأدّب بالآداب الحسنة في تحصيل العلم ، وهو الذي لم يأخذ تأويل ما تشابه من الراسخين في العلم الذين يقولون : آمنّا به ، كلٌّ من عند ربّنا ۱ ، مع أنّه ليس من الراسخين في العلم ، فتبع ظنّه ، أو ظنّ غيره .
(وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّهِ ، لَمْ يَعْقِدْ قَلْبَهُ عَلى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَيَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ) . هذا بيان للسابق . يقال : عقد ـ كضرب ـ الحبل على الوتد ، أي شدّه . و«قلبه» منصوب بالمفعوليّة .
والمراد بـ «معرفةٍ» معرفةُ الآيات البيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ ، والآمرة بسؤال أهل الذِّكر عمّا لا يعلم . و«ثابتة» بالجرّ صفة معرفة ، أي ليس معها شكّ . و«يبصرها» بصيغة المعلوم من باب الإفعال صفة موضحة لـ «ثابتة» ، والضمير المستتر للعاقد .
والحقيقة ضدّ المجاز ، وهو ما يشابهها أي يعلم أنّه لم يتخلّف عنها شيء من لوازم المعرفة ، وهذا كقوله تعالى في سورة النمل : «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ»۲ ، وكقوله في سورة آل عمران : «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» .
(وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذلِكَ إِلَا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقا ، وَسِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقا) . المشار ۳ إليه في قوله : «كذلك» العاقل عن اللّه ، أو المنفيّ في قوله : «لم يعقد» أي العاقد قلبه . والمقصود أنّه ليس كذلك عند غير المتوسّمين ۴ ، حتّى يشهد عليه بأنّه عاقل .
ويجيء بيان المتوسّمين في «كتاب الحجّة» في أحاديث «باب أنّ المتوسّمين الذين ذكرهم اللّه عزّ وجلّ في كتابه هم الأئمّة ، والسبيل فيهم مقيم» .

1.اقتباس من الآية ۷ من سورة آل عمران .

2.النمل (۲۷) : ۱۴ .

3.في «د» : «والمشار» .

4.الوسم : التأثير ، والسمة : الأثر ، والمتوسمون : المعتبرون العارفون المتعظون؛ المفردات للراغب ، ص ۵۲۴ (وسم) .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
228

(يَا هِشَامُ) . هذا من النوع الأوّل .
(إِنَّ اللّهَ حَكى) في سورة آل عمران بعد ما مرّ في هذا الحديث من قوله : «وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ»۱ .
(عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ) ؛ هم اُولو الألباب .
(أَنَّهُمْ قَالُوا :« رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا»أي عن الراسخين في العلم .
«بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا»أي إلى الراسخين في العلم .
«وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ »۲حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ)
. اللام للعهد الخارجي ، أي قلوب القوم الفاسقين ، وهم الذين ارتدّوا على أعقابهم قهقرى ، وتركوا أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين ، واتّبعوا الطاغوت .
(تَزِيغُ) . يُقال : زاغ عن الطريق : إذا عدل عنه وجار .
(وَتَعُودُ إِلى عَمَاهَا) ؛ بفتح المهملة مقصور ، أي ترتدّ ۳ عن الإسلام إلى شركها الذي كانت عليه ، فإنّ القوم كانوا عابدي أصنام قبل إظهار الإسلام .
(وَرَدَاهَا) ؛ بفتح المهملة مقصور ، أي هلاكها . وفي الآية دلالة على أنّ الزيغ والعود يكون بمشيئة اللّه ، وليس العبد مستقلّاً بالقدرة على أفعاله الاختياريّة ، كما سيجيء في ثاني «باب الاستطاعة» من «كتاب التوحيد» .
(إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللّهَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّهِ) . استئنافٌ لبيان عود تلك القلوب إلى عماها ورداها ، وقوله : «لم يخف اللّه » إشارة إلى ما في القرآن من الوعيد الكثير على الاختلاف والتفرّق والتقطّع ، نحو ما في سورة آل عمران : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»۴ ، وفي سورة المؤمنين : «فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ»۵ الآية . وتعدية الفعل

1.آل عمران (۳) : ۷ .

2.آل عمران (۳) : ۱۹ .

3.آل عمران (۳) : ۸ .

4.في «د» : «يرتد» .

5.المؤمنون (۲۳) : ۵۴ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 123066
صفحه از 602
پرینت  ارسال به