إن قلت : لا يمكن خلق العرض من الجوهر كما لا يمكن العكس .
قلت : هذا مبنيّ على نوع من المجاز ، نظير العكس في قوله تعالى في سورة الأنبياء : «خُلِقَ الْاءِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ»۱ ، والمقصود أنّ العقل مناسب لجوهر المؤمن وقويّ فيه كأنّه مخلوق ممّا خلق منه ، وكذا الجهل مناسب لجوهر الكافر .
(فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ فَلَمْ يُقْبِلْ) . هذا كما في نظيره في العقل استعارة تمثيليّة ، والمقصود أنّه أفضى بصاحبه إلى ترك الإيمان بالغيب ، وذلك بالإعجاب بفكر نفسه في دقيق الأشياء وجليلها ، والاتّكال على ذهنه ، وترك الإقبال على اللّه تعالى بالتلقّي عنه بطرق الأنبياء وأهل الذِّكر عليهم السلام في أحكامه تعالى .
(فَقَالَ لَهُ : اسْتَكْبَرْتَ) . إمّا بفتح الهمزة للاستفهام وحذف همزة الوصل في الخطّ أيضا ، وإمّا بكسرها ، أي وضعت صاحبك في مرتبةٍ فوق مرتبته بالاتّكال عليه في كلّ مسألة ، وذلك استكبار على اللّه ورسوله وأهل الذِّكر عليهم السلام ، والمراد أنّ من تبعك مستكبر بك .
(فَلَعَنَهُ) ـ كمنعه ـ : طرده وأبعده ؛ أي فلعن مَن تبعه .
(ثُمَّ جَعَلَ لِلْعَقْلِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْدا) . الجند : الأعوان والأنصار كما مرّ ، ولا يقال لواحد منها ولا اثنين : جند ؛ فقوله : «جندا» ، ليس مميّزا للعدد ، ومميّزه محذوف ، أي مُعينا ؛ فهو صفة أو عطف بيان للعدد ، كقوله تعالى في سورة الكهف : «ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ»۲ فالظرف مستقرّ هو مفعولٌ ثانٍ ، ويوافق هذا قوله فيما بعد : «فأعطاه» إلى آخره وقوله : «الجند» .
(فَلَمَّا رَأَى الْجَهْلُ مَا أَكْرَمَ اللّهُ بِهِ الْعَقْلَ وَمَا أَعْطَاهُ ، أَضْمَرَ لَهُ الْعَدَاوَةَ ، فَقَالَ الْجَهْلُ : يَا رَبِّ ، هذَا خَلْقٌ مِثْلِي) أي هو مخلوق لمصلحة التكليف ، كما أنّي مخلوق لها .
(خَلَقْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَقَوَّيْتَهُ ، وَأَنَا ضِدُّهُ وَلَا قُوَّةَ لِي بِهِ) أي لا مضايقة في التكريم له ، إنّما المضايقة في تقويته وترك تقويتي ، بحيث يتأتّى منّي المضادّة ، ويتصحّح ابتلاؤك للمكلَّفين .