241
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

إن قلت : لا يمكن خلق العرض من الجوهر كما لا يمكن العكس .
قلت : هذا مبنيّ على نوع من المجاز ، نظير العكس في قوله تعالى في سورة الأنبياء : «خُلِقَ الْاءِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ»۱ ، والمقصود أنّ العقل مناسب لجوهر المؤمن وقويّ فيه كأنّه مخلوق ممّا خلق منه ، وكذا الجهل مناسب لجوهر الكافر .
(فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ فَلَمْ يُقْبِلْ) . هذا كما في نظيره في العقل استعارة تمثيليّة ، والمقصود أنّه أفضى بصاحبه إلى ترك الإيمان بالغيب ، وذلك بالإعجاب بفكر نفسه في دقيق الأشياء وجليلها ، والاتّكال على ذهنه ، وترك الإقبال على اللّه تعالى بالتلقّي عنه بطرق الأنبياء وأهل الذِّكر عليهم السلام في أحكامه تعالى .
(فَقَالَ لَهُ : اسْتَكْبَرْتَ) . إمّا بفتح الهمزة للاستفهام وحذف همزة الوصل في الخطّ أيضا ، وإمّا بكسرها ، أي وضعت صاحبك في مرتبةٍ فوق مرتبته بالاتّكال عليه في كلّ مسألة ، وذلك استكبار على اللّه ورسوله وأهل الذِّكر عليهم السلام ، والمراد أنّ من تبعك مستكبر بك .
(فَلَعَنَهُ) ـ كمنعه ـ : طرده وأبعده ؛ أي فلعن مَن تبعه .
(ثُمَّ جَعَلَ لِلْعَقْلِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْدا) . الجند : الأعوان والأنصار كما مرّ ، ولا يقال لواحد منها ولا اثنين : جند ؛ فقوله : «جندا» ، ليس مميّزا للعدد ، ومميّزه محذوف ، أي مُعينا ؛ فهو صفة أو عطف بيان للعدد ، كقوله تعالى في سورة الكهف : «ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ»۲ فالظرف مستقرّ هو مفعولٌ ثانٍ ، ويوافق هذا قوله فيما بعد : «فأعطاه» إلى آخره وقوله : «الجند» .
(فَلَمَّا رَأَى الْجَهْلُ مَا أَكْرَمَ اللّهُ بِهِ الْعَقْلَ وَمَا أَعْطَاهُ ، أَضْمَرَ لَهُ الْعَدَاوَةَ ، فَقَالَ الْجَهْلُ : يَا رَبِّ ، هذَا خَلْقٌ مِثْلِي) أي هو مخلوق لمصلحة التكليف ، كما أنّي مخلوق لها .
(خَلَقْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَقَوَّيْتَهُ ، وَأَنَا ضِدُّهُ وَلَا قُوَّةَ لِي بِهِ) أي لا مضايقة في التكريم له ، إنّما المضايقة في تقويته وترك تقويتي ، بحيث يتأتّى منّي المضادّة ، ويتصحّح ابتلاؤك للمكلَّفين .

1.الأنبياء (۲۱) : ۳۷ .

2.الكهف (۱۸) : ۲۵.


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
240

العذب الفرات الذي خلق منه المؤمنون والجنّة وأمثالهما ، فشمال العرش الماء الملح الاُجاج الذي خلق منه الكافرون والنار وأمثالهما ، قال تعالى في سورة هود : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»۱ ، ويجيء بيانه في «كتاب التوحيد» في سابع «باب العرش والكرسيّ» ، وفي «كتاب الحجّة» في شرح الثاني من «باب نادر فيه ذكر الغيب» .
(مِنْ نُورِهِ)۲ ؛ الضمير للّه ، والمراد بنوره ما خلق منه المؤمنون من جملة يمين العرش ، كما يجيء في الثامن عشر والعشرين من الباب العشرين . ۳
إن قلت : العقل عرض لا يمكن أن يكون أوّل مخلوق ؛ لأنّ محلّه مقدّم عليه ، وأيضا ينافي ما روي أنّ أوّل مخلوق الماء . ۴
قلت : ليس المراد بالأوّليّة هنا التقدّم الذاتي ولا الزماني ، بل المراد التقدّم بالرتبة ، ولمّا كان فائدة تكوين الماء ومحلّ العقل تكوينَ العقل ، وهما تمهيد له ، فأوّل مدبّر بالرتبة العقل المكرَّم على جميع خلقه ، ولا ينافي هذا كون الماء أوّل مكوّن زمانا .
(فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ؛ فَأَقْبَلَ) . مضى شرح ذلك في أوّل الباب ، وبيّنّا أنّ «ثمّ» هنا للتراخي في الزمان .
(فَقَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى : خَلَقْتُكَ خَلْقا عَظِيما ، وَكَرَّمْتُكَ عَلى جَمِيعِ خَلْقِي . قَالَ : ثُمَّ خَلَقَ الْجَهْلَ مِنَ الْبَحْرِ الْأُجَاجِ) ؛ بضمّ الهمزة : المالح الشديد المُلوحة المُرّ ، وهو ناظر إلى قوله : عن يمين العرش .
(ظُلْمَانِيّا) . منسوبٌ إلى الظلمة بزيادة الألف والنون ، وهو حال مقيّدة عن البحر الاُجاج ، وعبارة عمّا خلق منه الكافرون من جملة البحر الاُجاج ، فهو ناظر إلى قوله : «من نوره» .

1.هود (۱۱) : ۷ .

2.في حاشية «أ» : «من نور ذاته الذي هو عين ذاته» .

3.أي في الحديث ۱۸ و ۲۰ من باب البدع والرأي والمقاييس .

4.الكافي ، ج ۸ ، ص ۹۴ ، ح ۶۷ ؛ التوحيد للصدوق ، ص ۶۷ ، ح ۲۰ . وعنهما في بحارالأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۶۶ ، ح ۴۳ ؛ و ص ۹۶ ، ح ۸۱ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 122721
صفحه از 602
پرینت  ارسال به