243
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

عندهم ، ولزعم الأشاعرة أنّ عقاب العُصاة ليس باستحقاق ۱ ، وسيجيء تفصيل ذلك في «كتاب التوحيد» في أوّل «باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين» .
(فَكَانَ مِمَّا أَعْطَى الْعَقْلَ مِنَ الْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ الْجُنْدَ : الْخَيْرُ ، وَهُوَ وَزِيرُ الْعَقْلِ ، وَجَعَلَ ضِدَّهُ الشَّرَّ ، وَهُوَ وَزِيرُ الْجَهْلِ . وَالْاءيمَانُ وَضِدَّهُ الْكُفْرَ ، وَالتَّصْدِيقُ وَضِدَّهُ الْجُحُودَ) . الفاء للتعقيب ، والمراد أنّ إعطاء هذه الثلاثة وأمثالها بعد إعطاء الخمسة والسبعين الجند ، فـ «من» في قوله : «ممّا أعطى» تبعيضيّة ، وفي قوله : «من الخمسة» للسببيّة . وقوله : «الخير» مرفوع أو اسم كان ، والإيمان والتصديق مرفوعان للعطف على الخير ، وما بعد الخير من الجمل معترضة .
والمراد بالخير والشرّ أن ينفع الناس وأن يضرّ بهم ، ومضى في ثاني عشر الباب : «الكفر والشرّ منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان» .
والوزير والموازِر : المعاون الذي عليه المدار ، والمراد بالضدّ المنافرُ جدّا ، وهو أخصّ من النقيض ، والمراد بالإيمان الطوعُ القلبي للّه ولرسوله ولجميع ۲ ما جاء به ، وقد يستعمل في الإتيان بجميع الفرائض ، والاجتناب عن كلّ كبيرة ، كما يجيء في «كتاب الإيمان والكفر» في «باب في أنّ الإيمان مبثوث لجوارح ۳ البدن كلّها» . والكفر أصله الشرّ ، والمراد هنا ظاهر بالمقابلة .
والمراد بالتصديق الإقرار القولي أو الفعلي بصدق اللّه ورسوله في جميع ما جاء به ، وقد يستعمل في الكون مع الصادقين ، وهم أئمّة الهدى المعصومون ، أي الايتمار والانتهاء بأمرهم ونهيهم إطاعةً لقوله تعالى في سورة التوبة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»۴ ، والجحود ـ بضمّ الجيم والمهملة ـ مصدر جحده حقّه وبحقّه

1.تفصيل هذا البحث في شرح المقاصد ، ج ۵ ، ص ۱۲۶ ؛ شرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۳۰۶ ؛ معارج الفهم ، ص ۵۸۳ ؛ مناهج اليقين ، ص ۵۰۵ .

2.في «ج» : «جميع» .

3.في النسخ : «بجوارح» والمثبت موافقا للمصدر .

4.التوبة (۹) : ۱۱۹ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
242

(فَأَعْطِنِي مِنَ الْجُنْدِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَإِنْ عَصَيْتَ بَعْدَ ذلِكَ) . معنى العصيان هنا أن يجعل صاحبه ممّن شرّه أقوى من خيره ، أو ممّن لا خير فيه ، وهذا مبنيّ على أنّ العقل والجهل قد يجتمعان في مكلّف من جهتين ، وهو المكلّف الذي ليس نبيّا ولا وصيّا ولا مؤمنا امتحن اللّه قلبه للإيمان ، كما يجيء في أواخر الحديث ؛ يعني فالشرط عليك أنّك إن عصيت بعد ذلك الإعطاء والتقوية .
(أَخْرَجْتُكَ) . الإخراج إمّا ناظر إلى قوله تعالى في سورة المؤمنين : «أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ»۱ ، فإنّ المرويّ أنّ اللّه خلق لكلّ مكلّف منزلاً في الجنّة ، وينتقل منازل أهل النار في الجنّة إلى المؤمنين ۲ ، وإمّا مبنيّ على أنّ العُصاة مرحومون في الدنيا .
(وَجُنْدَكَ) . الواو بمعنى «مع» أي لا يدفع جندك عنك استحقاق الإخراج .
(مِنْ رَحْمَتِي) أي من دار رحمتي ، وهي الجنّة ، أو من النعمة التي كانوا عليها في الدنيا .
(قَالَ : قَدْ رَضِيتُ ، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْدا) ؛ كلّ واحد منها ضدّ لواحد من جند العقل . وجميع ذلك من الاستعارة التمثيليّة ، والمقصود أنّه تعالى خلق بحكمته الكاملة وعلمه الشامل قوّتين داعيتين ؛ إحداهما العقل ، وهو الداعي إلى الخير ، والاُخرى الجهل ، وهو الداعي إلى الشرّ وخلق صفات حميدة تقوّي العقل في دعائه إلى الخير ، وهي خمسة وسبعون ، وخلق ضدّها من رذائل تقوّي الجهل في دعائه إلى الشرّ ، وهي أيضا خمسة وسبعون ، وكتب على نفسه الرحمة لأهل العقل ، وشرط استحقاق الإخراج من الرحمة لأهل الجهل ، وهذا الشرط بيان لبطلان زعم المعتزلة أنّ تقوية جانب المعصية في المكلّف الذي علم تعالى أنّه يفضي به بدون جبر إلى المعصية ينافي العدل واستحقاق العقاب ، لأنّه ضدّ اللطف الواجب عليه تعالى

1.المؤمنون (۲۳) : ۱۰ ـ ۱۱ .

2.مجمع البيان ، ج ۷ ، ص ۱۷۸ ؛ بحارالأنوار ، ج ۸ ، ص ۹۱ ؛ سنن ابن ماجة ، ج ۲ ، ص ۱۴۵۳ ، باب صفة الجنّة ، ح ۴۳۴۱ ؛ تفسير السمعاني ، ج ۳ ، ص ۴۶۴ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 122704
صفحه از 602
پرینت  ارسال به