الإمام ، وقد أشرنا إليه في ثاني عشر الباب ، وفي «كتاب الروضة» بعد حديث نوح ، ۱ واللّه ما أعجب ممّن هلك كيف هلك ، ولكن أعجب ممّن نجا كيف نجا .
ويحتمل أن يُراد أنّ العالم بالمخالفين وإضمارهم العداوة لنا لا يقرّ عندهم بما ينافي التقيّة إذا رأى منهم لين الكلام .
(وَالْحَزْمُ مَسَاءَةُ الظَّنِّ) . إشارةٌ إلى ما اُشير إليه في الفقرة السابقة . و«الحزم» بفتح المهملة وسكون المعجمة : الاحتياط ، وأصله من شدّ الحزام . والمساءة مصدر ميمي ، والمراد بسوء الظنّ عدم الاعتماد ، يعني الاحتياط أن لا يغترّ الإنسان بما صدر عن الجماعة من صورة الصلاح ، ولا بقول من قال : إنّي أتّبع السلف الصالح ، ونحو ذلك من الألفاظ الهائلة ؛ بل يتّبع ما في محكم كتاب اللّه والسنّة المتّفق عليها بين الفريقين حتّى يثبت حقّيّة فريق ، ثمّ يتّبع ما قالوا ، أو أن لا يغترّ بلين كلام المخالفين فيترك التقيّة .
(وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَالْحِكْمَةِ نِعْمَةُ الْعَالِمِ ، وَالْجَاهِلُ شَقِيٌّ بَيْنَهُمَا) . تقوية لما في الفقرتين السابقتين ، و«البين» قد يكون إسما بمعنى الوصلة ، كقولك : لقيته غداة البين ، وبمعنى الفرقة ، كما في غُراب البين ، وقد يكون ظرفا متمكّنا ، وهو هنا اسم بمعنى الوصلة مرفوع على الابتداء ، ويحتمل أن يكون ظرفا منصوبا ، ويضاف «شقيّ» إلى «بينهما» على الأوّل كقوله : «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا»۲ لا على الثاني . ومضى معنى الحكمة في ثاني عشر الباب أنّها الفهم والعقل .
يعني أنّ العالم يفرح بكون المرء حكيما ، فيكون عالما بزمانه حازما ، والجاهل يسوءه أن يكون المرء حكيما ، فقوله : «نعمة» مضاف إلى العالم إضافة لاميّة ، والمراد بالشقاء هنا التعب والمشقّة ، وهو ضدّ النعمة ، لا ضدّ السعادة الاُخرويّة ، وضمير «بينهما» للمرء والحكمة .