275
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

الإمام ، وقد أشرنا إليه في ثاني عشر الباب ، وفي «كتاب الروضة» بعد حديث نوح ، ۱ واللّه ما أعجب ممّن هلك كيف هلك ، ولكن أعجب ممّن نجا كيف نجا .
ويحتمل أن يُراد أنّ العالم بالمخالفين وإضمارهم العداوة لنا لا يقرّ عندهم بما ينافي التقيّة إذا رأى منهم لين الكلام .
(وَالْحَزْمُ مَسَاءَةُ الظَّنِّ) . إشارةٌ إلى ما اُشير إليه في الفقرة السابقة . و«الحزم» بفتح المهملة وسكون المعجمة : الاحتياط ، وأصله من شدّ الحزام . والمساءة مصدر ميمي ، والمراد بسوء الظنّ عدم الاعتماد ، يعني الاحتياط أن لا يغترّ الإنسان بما صدر عن الجماعة من صورة الصلاح ، ولا بقول من قال : إنّي أتّبع السلف الصالح ، ونحو ذلك من الألفاظ الهائلة ؛ بل يتّبع ما في محكم كتاب اللّه والسنّة المتّفق عليها بين الفريقين حتّى يثبت حقّيّة فريق ، ثمّ يتّبع ما قالوا ، أو أن لا يغترّ بلين كلام المخالفين فيترك التقيّة .
(وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَالْحِكْمَةِ نِعْمَةُ الْعَالِمِ ، وَالْجَاهِلُ شَقِيٌّ بَيْنَهُمَا) . تقوية لما في الفقرتين السابقتين ، و«البين» قد يكون إسما بمعنى الوصلة ، كقولك : لقيته غداة البين ، وبمعنى الفرقة ، كما في غُراب البين ، وقد يكون ظرفا متمكّنا ، وهو هنا اسم بمعنى الوصلة مرفوع على الابتداء ، ويحتمل أن يكون ظرفا منصوبا ، ويضاف «شقيّ» إلى «بينهما» على الأوّل كقوله : «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا»۲ لا على الثاني . ومضى معنى الحكمة في ثاني عشر الباب أنّها الفهم والعقل .
يعني أنّ العالم يفرح بكون المرء حكيما ، فيكون عالما بزمانه حازما ، والجاهل يسوءه أن يكون المرء حكيما ، فقوله : «نعمة» مضاف إلى العالم إضافة لاميّة ، والمراد بالشقاء هنا التعب والمشقّة ، وهو ضدّ النعمة ، لا ضدّ السعادة الاُخرويّة ، وضمير «بينهما» للمرء والحكمة .

1.الكافي ، ج ۸ ، ص ۲۶۷ ، ح ۳۹۲ .

2.النساء (۴) : ۳۵ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
274

بالمعلوم ؛ وبالجهل المجادلة لا بالتي هي أحسن وترك الحلم ، أو هو القول على اللّه بغير علم ، ويسمّى كذبا وافتراءً كما مرّ في العشرين .
(وَالْفَهْمُ) . المراد به البصيرة بمواقع الكلام في دفع كلمات الخصوم .
(مَجْدٌ) ؛ بالفتح ، أي كرم وحسب .
(وَالْجُودُ) بالمال (نُجْحٌ) ؛ بضمّ النون وسكون الجيم ومهملة : الظفر بالحوائج ، أي هو من أسباب الظفر .
(وَحُسْنُ الْخُلُقِ) أي المماشاة مع الخصوم في الكلام معهم .
(مَجْلَبَةٌ) ؛ بفتح الميم وسكون الجيم وفتح اللام والموحّدة من جلبه ـ كنصر وضرب ـ أي ساقه من موضع إلى آخر ، اسم المكان للكثرة ؛ يقال : إذا كثر الشيء بالمكان مفعلة ۱ .
(لِلْمَوَدَّةِ) ؛ بفتح الميم وقد تكسر وفتح الواو من باب علم : الحبّ ، يعني أنّ حسن الخلق يجلب مودّة الخصوم وإصغاءهم إلى البرهان وإلى دفع شبههم .
(وَالْعَالِمُ بِزَمَانِهِ لَا تَهْجُمُ) ؛ بكسر الجيم أو ضمّها ، من «هجم عليه» بالفتح هجوما : إذا انتهى إليه بغتةً ، أو دخل بغير إذن .
(عَلَيْهِ اللَّوَابِسُ) . جمع «لابسة» أي الشبهات ، من لبست عليه الأمر ـ كضربت ـ أي خلطت ، يعني أنّ من يعلم أحوال أهل زمانه ـ من تسرّع المشهورين بالصلاح والعلم إذا افترصوا فرصة إلى إيثار الحياة الدنيا إلّا الشاذّ النادر جدّا ـ يعلم أحوال الصحابة والتابعين ، ولا يكترث لشبهة كثرة أهل الخلاف وقلّة أهل الحقّ .
قال لي بعض الأصدقاء : إنّي أتعجّب في أنّ الجماعة بعد سماعهم الوصيّة من النبيّ صلى الله عليه و آله كيف ذهبوا عن أهل البيت في أوّل الأمر إلّا ثلاثة ؟
قلت : تعجّبي على عكس تعجّبك ، أنت تتعجّب من ذهاب الجماعة ، وأنا أتعجّب من بقاء الثلاثة ، وليس ما سمعوا من النبيّ صلى الله عليه و آله فوق ما سمعوا من اللّه في القرآن في تعيين

1.في «أ، ج» : «مفعله» بدون تنقيط الأخير .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 95869
صفحه از 602
پرینت  ارسال به