يختصّ بالعقلاء صورة ، كما في قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ»۱ ؛ وذلك لتوجّه الخطاب إليهم .
والاستغفار من الملائكة ومؤمني الإنس والجنّ حقيقة ، ومن غيرهم مجاز ، ويجوز الجمع بينهما في لفظ ، كقولهم : القلم أحد اللسانين . وعلاقة المجاز المشابهةُ .
وهذا مبنيّ على أنّ بقاء نوع الإنس ببركة بقاء العابدين منهم ، كما مرّ في شرح خطبة الكتاب عند قول المصنّف : «وجعل عزّ وجلّ سبب بقائهم أهل الصحّة والسلامة وبقاء غيرهم ممّا في الأرض ببركة بقائهم» ، كما يشعر به قوله تعالى : «خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعا»۲ ، وعبادتهم لا تصحّ بدون العلم بها ، وعلمهم بها لا يمكن بدون طلبه ، وكلّ حيّ يحبّ البقاء ويفرّ من الموت ، فكان كلّ حيّ يستغفر لطالب العلم من الإنس ؛ إذ هو سبب لبقائه .
والأولى أنّ المراد أنّ اللّه تعالى يغفر لطالب العلم بعدد الأحياء ؛ إذ هو السبب لنعمته تعالى عليها بإيجادها وإبقائها ، فكان كلّ حيّ يستغفر له ويستجاب له .
وأمّا كفّار الجنّ ففي كونهم من المستغفرين مجازا ثلاثة احتمالات :
الأوّل : أنّ الجنّ داخلون فيما في الأرض فبقاؤهم ببقاء الإنس ، لما مرّ من قوله تعالى : «خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعا» . ۳
الثاني : أنّهم داخلون فيما خلق لأجل عبادة مؤمني الإنس ، كما مرّ أيضا في شرح الخطبة من احتمال أن يكون ضمير «ليعبدون» في قوله تعالى في سورة الذاريات : «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ»۴ راجعا إلى المؤمنين .
الثالث : أنّ بقاء كفّار الجنّ ببقاء مؤمني الجنّ ، وهم يستغفرون لمؤمني الإنس