311
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

يختصّ بالعقلاء صورة ، كما في قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ»۱ ؛ وذلك لتوجّه الخطاب إليهم .
والاستغفار من الملائكة ومؤمني الإنس والجنّ حقيقة ، ومن غيرهم مجاز ، ويجوز الجمع بينهما في لفظ ، كقولهم : القلم أحد اللسانين . وعلاقة المجاز المشابهةُ .
وهذا مبنيّ على أنّ بقاء نوع الإنس ببركة بقاء العابدين منهم ، كما مرّ في شرح خطبة الكتاب عند قول المصنّف : «وجعل عزّ وجلّ سبب بقائهم أهل الصحّة والسلامة وبقاء غيرهم ممّا في الأرض ببركة بقائهم» ، كما يشعر به قوله تعالى : «خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعا»۲ ، وعبادتهم لا تصحّ بدون العلم بها ، وعلمهم بها لا يمكن بدون طلبه ، وكلّ حيّ يحبّ البقاء ويفرّ من الموت ، فكان كلّ حيّ يستغفر لطالب العلم من الإنس ؛ إذ هو سبب لبقائه .
والأولى أنّ المراد أنّ اللّه تعالى يغفر لطالب العلم بعدد الأحياء ؛ إذ هو السبب لنعمته تعالى عليها بإيجادها وإبقائها ، فكان كلّ حيّ يستغفر له ويستجاب له .
وأمّا كفّار الجنّ ففي كونهم من المستغفرين مجازا ثلاثة احتمالات :
الأوّل : أنّ الجنّ داخلون فيما في الأرض فبقاؤهم ببقاء الإنس ، لما مرّ من قوله تعالى : «خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعا» . ۳
الثاني : أنّهم داخلون فيما خلق لأجل عبادة مؤمني الإنس ، كما مرّ أيضا في شرح الخطبة من احتمال أن يكون ضمير «ليعبدون» في قوله تعالى في سورة الذاريات : «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ»۴ راجعا إلى المؤمنين .
الثالث : أنّ بقاء كفّار الجنّ ببقاء مؤمني الجنّ ، وهم يستغفرون لمؤمني الإنس

1.النمل (۲۷) : ۱۸ .

2.البقرة (۲) : ۲۹ .

3.الذاريات (۵۱) : ۵۵ ـ ۵۶ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
310

محضة فهي حال عنها ، أو بغير المحض منهما فهي محتملة لهما ، ۱ وكلّ ذلك بشرط وجود المقتضي ، أي صحّة المعنى وعدم المانع ، فلو لم يتحقّق الشرط لشيء منهما كانت استئنافا .
(عِلْما) أي من العلم النافع في الدِّين .
(سَلَكَ اللّهُ بِهِ طَرِيقا إِلَى الْجَنَّةِ) أي هداه اللّه إلى الحقّ ووفّقه للخير .
(وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ) أي تفرشها لتكون تحت أقدامه إذا مشى ، وهذا إمّا للتبرّك ، وإمّا لحفظه عن التردّي في بئر أو التأذّي من وَحَلٍ ۲ ونحو ذلك .
ويمكن أن يكون المراد بوضع الجناح خفضَه ، وهو عبارة عن الشفقة والرحمة والتواضع له تعظيما لحقّه ، كما في قوله تعالى : «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ»۳ .
وقيل : أراد بوضع الأجنحة نزولهم عند مجالس العلم وترك الطيران ۴ ، وقيل : أراد به إظلالهم بها . ۵(رِضا) ؛ بالكسر والقصر ، حذف ألفها لالتقاء الساكنين هي والتنوين ، وهو منصوب تقديرا على أنّه مفعول له .
(بِهِ) أي بطلب العلم أو بطالبه لطلبه ، فإنّ الرضا لا يتعلّق إلّا بالأفعال .
(وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ۶لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ) .
المراد بطالب العلم طالب علم الدِّين بقصد العمل ، والمراد بالسماء جهة العلوّ فيشمل الهواء ، والمراد بالأرض الجهة المقابلة للسماء فيشمل الماء . واستعمال «من» في الموضعين لتغليب العقلاء ، أو لأنّه قد ينزّل غير العقلاء منزلتهم إذا نسب إليهم ما

1.مغني اللبيب ، ج ۲ ، ص ۴۲۸ .

2.قال في المصباح المنير ، ص ۶۵۱ (وَحِل) : الوحل: وهو الطين الرقيق .

3.الإسراء (۱۷) : ۲۴ .

4.حكاه ابن الأثير في النهاية ، ج ۱ ، ص ۳۰۵ (جنح) .

5.في الكافي المطبوع : «ليستغفر» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 95862
صفحه از 602
پرینت  ارسال به