اعلم أنّ هنا وجها آخر يرجع إلى الأوّل ، هو أن يكون المراد بالعلماء الذين يعلمون اللّه . ويؤيّد هذا ما في «كتاب الروضة» في صحيفة عليّ بن الحسين عليهماالسلام وكلامه في الزهد من قوله : «فمَن عرف اللّه خافه ، وحثّه الخوف على العمل بطاعة اللّه ، وأنّ أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا اللّه فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال اللّه : «إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»۱ ، وما في الصحيفة الكاملة من دعائه عليه السلام في الإلحاح على اللّه تعالى من قوله : «سبحانك أخشى خلقك لك أعلمهم بك» الدعاء ۲ .
بيان ذلك أنّ خشية اللّه على قسمين :
الأوّل : خشية متعلِّقة بالدنيا ، وهي خشية خذلانه واستدراجه ومكره وإزاغته للقلب بعد الهداية وإضلاله ، ونحو ذلك ، وهذه إنّما تحصل بالعلم بأنّ بيده تعالى أزمّة الاُمور كلّها ، وأنّه خالق كلّ شيء حتّى معاصي العباد ، وأنّه لا يجب عليه كلّ لطف ناجع ۳ ، إنّما يجب عليه اللطف المزيح لعلّة المكلّف ، وأنّه لا يقع شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بمشيئته وإرادته وقدره وقضائه وإذنه ، وأنّه يضلّ مَن يشاء ويهدي مَن يشاء ، وأنّ العبد غير مستقلّ بالقدرة على فعله وإن كان له أصل القدرة على كلٍّ من الفعل والترك ، وهو المؤثّر في أفعال نفسه ، ويستحقّ على فعله المدح أو الذمّ عقلاً ، والثواب أو العقاب ، وهذا مذهب الواسطة بين الجبر والتفويض ، وسيتّضح في «باب الاستطاعة» وغيره من أبواب «كتاب التوحيد» .
الثاني : خشية متعلّقة بالآخرة ، وهي خشية عقابه ونسيانه وعدم النظر ، وعدم تزكية الأعمال ، ونحو ذلك ، وهذه إنّما تحصل بالعلم بأنّه تعالى لا يُسأل عمّا يفعل وهُم يُسألون ، ويجيء شرحه في سادس «باب المشيّة والإرادة» من «كتاب التوحيد» ، وبالعلم بزواجره ومواعيده ، وأنّ العفو عن بعض العاصين ظلم بل ظلاميّة ، وهو تعالى ليس بظلّام للعبيد ، وأنّه سيبدو لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون ، وأنّ اللّه تعالى يحبط