327
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

(أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَكُّرٌ) . هذا تثريب على قسم آخر من المخالفين ، وهم الذين لا يعلمون مضمون الآيات البيّنات المحكمات ولا يقرؤون من القرآن إلّا المفروض في الصلاة ، وهو سورة الفاتحة ونحوها ، بأنّ سورة الفاتحة صريحة كافية فيما نحن فيه لمَن تفكّر فيها ، فإنّ الصراط المستقيم صراط الذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين عبارة عن اتّباع العلم وأهله ، والاجتناب عن اتّباع الظنّ ، وعن الاختلاف عن ظنّ ، وعن أئمّة الضلالة كما في سورة العنكبوت : «أَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ»۱ ، ويجيء بيانه في أوّل «كتاب فضل القرآن» .
(وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى) أي في رواية بعض العدّة بعد قوله : «إلى غيره» في الرواية الاُولى . وحاصل الروايتين واحد ، فإنّ الفقه الفهم ، وهو ثمرة التفكّر ، والفقرة الرابعة تأكيد للفقرة الثالثة ، وليس مضمونا آخر ، ولذا لم يذكر في الرواية الاُولى .
(أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا فِقْهَ فِيهَا ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي نُسُكٍ لَا وَرَعَ فِيهِ) . «النسك» بالفتح والضمّ والكسر وبضمّتين : العبادة ، و«الورع» بفتح الواو وبفتح المهملة : الاجتناب عن المنهيّ عنه صريحا ، وهو راجع إلى الفقه الحاصل بالتفكّر في سورة الفاتحة .
الرابع : (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ) ؛ بالشين والذال المعجمتين . (النَّيْسَابُورِيِّ) ؛ بفتح النون وسكون الخاتمة ومهملة . (جَمِيعا ، عَنْ صَفْوَانَ) ؛ بفتح المهملة . (بْنِ يَحْيى ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : إِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الْفِقْهِ)۲ أي الممدوح شرعا منه ، (الْحِلْمَ) ؛ بكسر المهملة وسكون اللام : ضدّ السفه . والمراد الاحتياط في التكذيب لئلّا يكون من الذين كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله ، أو المراد أعمّ منه ومن غيره . (وَالصَّمْتَ) ؛ بفتح

1.العنكبوت : ۴۵ .

2.في الكافي المطبوع : «الفقيه» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
326

رئيسهم حين أراد النبيّ صلى الله عليه و آله أن يؤكّد الوصيّة من قوله : «إنّ الرجل ليهجر ، وحسبنا كتاب اللّه » ۱ . وما صدر عن أتباعهم حيث نقل ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري عن النووي شارح صحيح مسلم أنّه قال : «اتّفق العلماء على أنّ قول عمر : حسبنا كتاب اللّه من قوّة فقهه ، ودقيق نظره ؛ لأنّه خشي أن يُكتب اُمور ربّما عجزوا عنها فاستحقّوا العقوبة لكونها منصوصة ، وأراد أن لا ينسدّ باب الاجتهاد على العلماء» ۲ انتهى .
ومنشأ هذا حبّ الرياسة بمنصب الفتوى والقضاء مع الجهل بأحكام اللّه تعالى ومتشابهات كتابه ، فمَثَلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا ، ويدخل في الرغبة عن القرآن إلى غيره توهّم بعض عوامّ الصوفيّة حيث قال : العلم الحاصل بالمكاشفة أقوى من العلم الحاصل بقول الأنبياء ، ووجوه فساد هذا أكثر من أن يحصى ، وأقلّها لزوم التشكيك بالقوّة والضعف في العلم .
(أَلَا) ؛ حرف تنبيه . (لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ) . هذا إلى آخره ناظر إلى الفقرة الرابعة ، مضى معنى العلم والتفهّم في شرح آخر الباب السابق . و«في» في «فيه» ونظائره بمعنى «مع» ، وهذه الفقرة للتثريب ۳ على قسم من المخالفين للشيعة الإماميّة ، وهم الذين يعلمون أنّ الآيات البيّنات المحكمات صريحة في النهي عن اتّباع الظنّ ، وعن الاختلاف عن ظنّ ، ولا يتفهّمون منه وجوب الإمام العالم بجميع الأحكام والمتشابهات في كلّ زمان إلى انقراض التكليف .
(أَلَا لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ) . هذا تثريب على قسم آخر من المخالفين ، وهم الذين يقرؤون القرآن ولا يعلمون أنّ الآيات البيّنات المحكمات صريحة في النهي عن اتّباع الظنّ ، وعن الاختلاف عن ظنّ ؛ لعدم تدبّرهم ، قال تعالى في سورة محمّد صلى الله عليه و آله : «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»۴ .

1.صحيح مسلم ، ج ۵ ، ص ۷۶ : وفيه قالوا : إن رسول اللّه يهجر ؛ وحكاه عن عمر الشيخ المفيد في أوائل المقالات ، ص ۴۰۶ ؛ والعلامة في كشف اليقين ، ص ۴۷۲ ؛ ومنهاج الكرامة ، ص ۱۰۳ .

2.فتح الباري ، ج ۸ ، ص ۱۰۲ ، باب مرض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله وسلّم ووفاته .

3.التثريب : اللدم والأخذ على الذنب . ترتيب جمهرة اللغة ، ج ۱ ، ص ۲۱۶ (ثرب) .

4.محمّد (۴۷) : ۲۴ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 118270
صفحه از 602
پرینت  ارسال به