عنه بين الناس وتصير دأبا مستمرّا بينهم ، كان أولى بالأفعال الحسنة حتّى الخدمة من الجاهل ، والأحقّيّة من هذه الحيثيّة لا ينافي كونه أحقّ بالمخدوميّة من حيثيّة اُخرى ، وهي النظر إلى مرتبة الجاهل والعالم في نفسهما مع قطع النظر عن التعليم ، ولذا قال عليه السلام :
(إِنَّمَا تَوَاضَعْتُ هكَذَا) . الهاء للتنبيه والكاف للتشبيه و«ذا» إشارة إلى غسل الأقدام ، والظرف منصوب المحلّ على أنّه صفة مفعول مطلق محذوف ، أي تواضعا .
إن قلت : لا يجوز كون الكاف للتشبيه ؛ للزوم اتّحاد المشبّه والمشبّه به ، فهي زائدة .
قلت : غسل الأقدام ليس نفس التواضع ، بل هو دالّ عليه بقرينة الأحوال ، فربّما تحقّق غسل قدم يكون ترفّعا أو سخريّة ، وإنّما التواضع أمر معنوي قائم بالنفس الناطقة ، فشبّه المدلول بالدالّ للمطابقة بينهما ، ونظيره تجويز بعضٍ 1 كونَ نحو : بعت واشتريت من صيغ العقود إخباراتٍ عن معانٍ قائمة بالنفس لا إنشاءات ، ويحتمل أن يكون من تشبيه الكلّي بفرده ومجازا .
(لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا) . اللام للتعليل ، و«كي» بمنزلة أن المصدريّة معنىً وعملاً ، و«ما» زائدة للتقوية، مثلها في : «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ» 2 ؛ وذلك بالإشارة إلى نفي أن يكون العلّة سوى ما ذكر .
(بَعْدِي) . كان ذكره إشارة إلى أنّ هذه الأحقّيّة ليست جارية في كلّ عالم ، بل إنّما هي في الأنبياء والأوصياء المنصوبين من اللّه لهداية الناس ، ونظيره ما في نهج البلاغة : «لئلّا يتبيّغ 3 بالفقير فقره» . 4 (فِي النَّاسِ كَتَوَاضُعِي لَكُمْ . ثُمَّ قَالَ عِيسى عليه السلام : بِالتَّوَاضُعِ تُعْمَرُ الْحِكْمَةُ ، لَا بِالتَّكَبُّرِ ؛
1.في حاشية «أ ، ج ، د» : «البعض شارح مختصر الاصول (منه دام ظله)» .
2.آل عمران (۳) : ۱۵۸ .
3.في المصدر : «كيلا» بدل «لئلا» ، وفي حاشية «أ» : «بيغ به مجهولاً وتبيغ عليه الأمر : اختلط ، والدم هاج وغلب» . القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۱۰۴ (بيغ) .
4.نهج البلاغة ، ج ۲ ، ص ۱۸۸ ، الخطبة ۲۰۹ .