359
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

فيما ليس لنا طريق إلى العلم بالحكم الواقعي مناطا للعمل فيه في زمن غيبة الإمام ، فإنّ ظاهر الآية لا يبطله .
إن قلت : ظاهر الآية لا يبطل جواز العمل بالاجتهاد أيضا ؛ لأنّ من يعمل بالاجتهاد يدّعي أنّه ليس مناط عمله في الحقيقة الظنّ ، بل العلم الحاصل من الدليل القطعي على جواز العمل بالاجتهاد في نفس الحكم الشرعي الواقعي .
قلت : ظاهره يبطل جواز العمل بالاجتهاد ، ويبطل دعوى العامل به أيضا ؛ لأنّ العلم الحاصل بالدليل ليس مناطا للعمل ، بل سبب لجعل الظنّ مناطا ، فهو باطل ۱ لظاهر الآية .
نعم ، لو كان ما يدّعيه من الدليل القطعي حقّا وجب تأويل الآية ، كما نقول به في محلّ الحكم كمقادير الجراحات وقيم المتلفات وتعيين القبلة ونحو ذلك ؛ وأنّى لهم ذلك .
الثاني : أن تكون الباء للسببيّة ، والمراد بالباطل ما يُعبد من دون اللّه ، وهو إمام الضلالة وإبليس وكلّ رأس ضلالة ، كقوله تعالى : «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ»۲ .
وإنّما سمّي باطلاً لقوله تعالى في سورة الحجّ : «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ»۳ ، وعلى أحد الوجهين يحمل قوله تعالى في سورة حم السجدة : «وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»۴ ، أي لا يهلكه إمام الضلالة ، مِن أتاه العدوّ : إذا أهلكه .
ومنه قوله تعالى : «فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ»۵ ؛ وذلك ۶ إمّا لأنّ جميعه محفوظ

1.في «ج» : + «الظاهر» .

2.التوبة (۹) : ۳۱ .

3.الحج (۲۲) : ۶۲ .

4.فصّلت (۴۱) : ۴۱ ـ ۴۲ .

5.النحل (۱۶) : ۲۶ .

6.في حاشية «أ» : «أي عدم الإهلاك» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
358

أم ۱ فعل جارحة ، ويُطلق على الجزاء أيضا ، وحمل عليه «مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ» . ويحتمل أن يراد به المعنى الأوّل ، أي مالك أجل ما يؤدّي العبد إلى اللّه . ويُطلق على الحكم والقضاء ، و«عليٌّ ديّان هذه الاُمّة بعد نبيّها» ۲ أي حاكمها . ۳(بِالْبَاطِلِ) . أصل الباطل : الزائل ، وهو خلاف الحقّ في معانيه ، وأصل الحقّ : الثابت الراسخ ، ويُطلق على العلم وعلى المعلوم ، ويُطلق على اللّه تعالى لأنّه حاضر في كلّ وقت لعبده عند الشدائد ، ويُطلق على ما وافق الحكمة وثبت ورسخ فيه الأمر المطلوب ، بأن لا يكون فيه صورته فقط ، فيكون كاللعب والعبث ، ويُطلق على الخبر والاعتقاد إذا طابق الواقع ، وعلى التصديق به والتكذيب لضدّه .

ويمكن تقرير قوله : «بالباطل» على أربعة أوجه :

الأوّل : أن تكون ۴ الباء للسببيّة ، كقولك : دنت زيدا بإحسانه إليّ ، والمراد بالباطل الظنّ ، أي أنهاك عن أن تعمل للّه بسبب الظنّ بالحكم الواقعي بأن تجعل الاجتهاد مناطا للعمل ، وإنّما سمّي الظنّ باطلاً لقوله تعالى في سورة يونس وسورة النجم : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنْ الْحَقِّ شَيْئا»۵ ، أي لا يقوم في موضع الحقّ ، أي العلم أصلاً ، لا في الإفتاء ولا في العمل .
ففيه دلالة على أنّ الظنّ ليس حقّا ولا جاريا مجراه ، فهو باطل محض في الدِّين ، فكما لا يجوز أن يكون مناطا للإفتاء ، لا يجوز أن يكون مناطا للعمل ، سواء كان في اُصول الدِّين أو اُصول الفقه أو فروعه .
ولا ينافي ذلك أن يكون العلم بأنّ ظاهر القرآن أو خبر الواحد الجامع للشروط كذا

1.في «ج» : «أو» .

2.في حاشية «أ» : «ذكره الزمخشري في الأساس (منه دام ظله)» .

3.حكاه عن أساس اللغة للزمخشري في تاج العروس ، ج ۱۸ ، ص ۲۱۷ ؛ ونقله بلفظ «قيل» في النهاية ، ج ۲ ، ص ۱۴۸ ؛ ولسان العرب ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۶ (دين) .

4.في «أ» : «أن يكون» .

5.يونس (۱۰) : ۳۶ ، النجم (۲۸) : ۵۳ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 120148
صفحه از 602
پرینت  ارسال به