379
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

حتّى أنّه قد يكون العالم التارك للعمل كافرا ناصبا ، كما في اُصول الديانات ، بخلاف الجاهل ، فإنّه مستضعف ؛ وأيضا ترك العالم مظنّة الاستخفاف بالدِّين ، وهو كفر ، بخلاف ترك الجاهل .
ويتحصّل منه أنّ طلب العلم إذا صدر عن الذي لم يعمل في وقت الحاجة بما علم قَبْلُ ويظنّ بنفسه عدم العمل به أيضا كان قبيحا .
ويمكن أن يكون الكلام محمولاً على المجاز والمبالغة في وجوب العمل بالعلم ؛ واللّه العالم بحقائق الاُمور .
الخامس : (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : بِمَ يُعْرَفُ) ؛ بصيغة المجهول من باب ضرب أو من باب التفعيل .
(النَّاجِي؟) أي من ينجو من عذاب النار يوم القيامة ولا يخلد فيها ، أو من لا يعذّب بها أصلاً . والمقصود بالسؤال الناجي من جملة من ينتسب إلى الشيعة الإماميّة ، أو من جملة اُمّة نبيّنا ، أي الذين يقولون ويشهدون أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، فإنّهم تفرّقوا على ثلاث وسبعين فرقة ، إحداها ناجية ، والباقية هالكة ، كما في «كتاب الروضة» بعد حديث يأجوج ومأجوج ؛ ۱ أو من جملة أهل الكتاب ، ويجيء في «كتاب الإيمان والكفر» في «باب في علامة المعار» هكذا عن المفضّل الجعفي قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّ الحسرة والندامة والويل كلّه لمن لم ينتفع بما أبصره ، ولم يدر ما الأمر الذي هو عليه مقيم ، أنفع له أم ضرّ» . قلت : فبِمَ يُعرف الناجي من هؤلاء جُعلت فداك؟
قال : ... إلى آخره . ۲
المراد «بما أبصره» : ما رآه وعلمه في محكمات القرآن من الآيات البيّنات الناهية عن اتّباع الظنّ وعن الاختلاف بالظنّ ، والمراد بالأمر الذي هو عليه مقيم : اتّباع الظنّ

1.الكافي ، ج ۸ ، ص ۲۲۴ ، ح ۲۸۳ .

2.الحديث ۱ من باب في علامة المعار .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
378

يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ ، زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا) ؛ بفتح المهملة والقصر جمع «صفاة» وهي الصخرة الملساء . 1
الرابع : (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ البُرَيْدِ) 2
؛ بضمّ الموحّدة وفتح المهملة .
(عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ) قبل وقت حاجتها أو وقت حاجتها (فَأَجَابَ ، ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا ) أي عن مسائل اُخرى قبل وقت حاجتها .
(فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام : مَكْتُوبٌ فِي الْاءِنْجِيلِ : لَا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَمَّا تَعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ) . كأنّه عليه السلام علم منه أنّه لم يعمل بعلمه وقت الحاجة ، أو تجاوز في السؤال حدّ عمل نفسه ، وهو منهيّ عنه ، كما يجيء في خامس «باب الردّ إلى الكتاب والسنّة» .
أمّا قوله : (فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ ، لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلَا كُفْرا ، وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللّهِ إِلَا بُعْدا) ؛ فيحتمل أن يكون من قول عليّ بن الحسين عليه السلام ، وأن يكون تتمّة المكتوب في الإنجيل .
إن قلت : يجب على المكلّف أمران : الأوّل : طلب العلم بما يحتاج إليه ممّا لم يتجاوز فيه حدّ نفسه . والثاني : العمل ، وتارك أحد الواجبين كيف يكون شرّا من تارك كليهما؟
قلت : الواجب الأوّل طلب العلم بقصد العمل لا مطلقا ، كما سيجيء في أوّل «باب المستأكل بعلمه» من ذمّ الحرص في طلب العلم ، فإن لم يكن في قصده حين طلب العلم العمل ، فذاك ؛ وإن كان حين طلب العلم في قصده العمل ثمّ تغيّر القصد ، فنقول : الترك الصادر عن العالم أشدّ تبعة من الترك الصادر عن الجاهل ، فيمكن أن يكون تفاوت الشدّة والضعف هنا أكثر من تفاوت العدد ، وذلك لتشديد الحجّة على العالم

1.ترتيب كتاب العين ، ج ۲ ، ص ۹۹۸ (صفو) ؛ النهاية ، ج ۳ ، ص ۴۰ (صفا) .

2.في المطبوع : «البَرِيد» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 117178
صفحه از 602
پرینت  ارسال به