(لَا تَرْتَابُوا فَتَشُكُّوا) . استئنافٌ لسدّ طرق عذر العالم العامل بغيره . الارتياب : تتبّع ما هو مظنّة الريب أي الشكّ في المعلوم ممّن ليس قويّا على دفع الشكوك والمعارضات الوهميّة كتتبّع مذاهب صنفين ۱ من الزنادقة الفلاسفة الدهريّة، القائلين بأنّه لا ربّ ولا جنّة ولا نار ، لتوهّمهم امتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة .
ويجيء تفصيله في شرح أوّل أوّل «كتاب التوحيد» ۲ ، وفي «كتاب الإيمان والكفر» في شرح حديث «باب وجوه الكفر» وهو السادس والستّون والمائة ۳ .
ويناسبه ما يجيء في «كتاب التوحيد» في خامس «باب النهي عن الكلام في الكيفيّة» من قوله : «إيّاك والخصومات ، فإنّها تورث الشكّ» .
وما في آيتين من سورة المؤمن :
الأُولى : «وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ»۴ .
الثانية : «الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى آيَاتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ»۵ .
من المحتمل أنّ المراد بالبيّنات البراهين العقليّة والنقليّة المفيدة للزوم إمام عالم بجميع مسائل الدِّين بدون اتّباع ظنّ في كلّ زمان إلى انقراض التكليف ، سواء كان نبيّا أم وصيّ نبيّ .
وتعدية الشكّ بـ «من» بتضمين معنى البعد . «ما جاءكم به» عبارة عن الآيات البيّنات ، والمراد بمرتاب : المجادل في الآيات البيّنات . «الذين» مبتدأ والجملة استئناف بياني . «بغير سلطان أتاهم» خبر المبتدأ ، والباء للمصاحبة ، و«غير» بمعنى ضدّ