389
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

منهما ۱ فإذا قُسّم واُقرع ردّ كلّ منهما بعضا مخصوصا عن تصرّف الآخر فيه .
والمراد هنا أنّه إذا لم يتب في الدنيا لم يخل حاله عن صورتين :
الاُولى : أن يحيط الحقّ بجميع حسناته ، وحينئذٍ لا مراجعة له وهو هالك ، موافقا لقوله تعالى في سورة البقرة : «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»۲ .
الثانية : أن لا يحيط ، وحينئذٍ يصيران شريكين في الحسنات ، ويراجع ببعض حسناته ، فليس بهالك من هذه الحيثيّة ، موافقا لما يجيء في «كتاب الإيمان والكفر» في أوّل «باب في أنّ الذنوب ثلاثة» من قول أمير المؤمنين عليه السلام : «وأمّا الذنب الذي لا يُغفر فمظالم العباد بعضهم لبعض» إلى قوله عليه السلام : «فيقتصّ للعباد بعضهم من بعض حتّى لا يبقى ۳ لأحدٍ على أحدٍ مظلمة ، ثمّ يبعثهم للحساب» .
ويوافقه ما في نهج البلاغة في خطبة أوّلها : «انتفعوا ببيان اللّه » من قوله عليه السلام : «وأمّا الظلم الذي لا يُترك فظلم العباد بعضهم بعضا» . ۴(وَمَنْ أَخَذَ الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِهِ وَعَمِلَ بِعِلْمِهِ) . «من» للتبعيض أو للابتداء .
وعلى الأوّل الضمير للأخذ أو للعلم ، والمراد بأهله مَن يستحقّ أخذ العلم ، وهو الذي يأخذه للعمل والثواب الاُخروي ، وذكر «وعمل بعلمه» للاحتراز عمّن تغيّر قصده بعد الأخذ فلم يعمل به .
وعلى الثاني الضمير للعلم ، والمراد بأهله من قام البرهان النقلي أو العقلي على أنّه عالم ويجب سؤاله عن غير المعلوم ، وهو رسول اللّه وعترته عليهم السلام ۵ كما يجيء في «كتاب الحجّة» في بعض أحاديث «باب ما نصّ اللّه عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة عليهم السلام واحدا فواحدا» .

1.في «ج» : «منها» .

2.البقرة (۲) : ۸۱ .

3.في الكافي المطبوع : «تبقى» .

4.نهج البلاغة ، ص ۲۵۵ ، الخطبة ۱۷۶ .

5.في «ج» : + «ومن تبعهما» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
388

نكرة ، يُقال : نهم ـ كعَلِمَ ـ وبصيغة المجهول نَهمَا محرّكةً : إذا أفرطت شهوته إلى الطعام ، ولم يمتل عن الأكل ، ولم يشبع ، فهو نَهِمٌ ونهيم ومنهوم . ۱(لا يَشْبَعَانِ : طَالِبُ دُنْيَا) : هو الذي أكبر همّه الدنيا ، لا لأجل كفاية الحاجة ، بل للتوسّع في المال أو في الجمال أو نحو ذلك .
(وَطَالِبُ عِلْمٍ) : هو الذي أكبر همّه العلم لا للعمل ، بل للمباهاة أو للتوسّع فيه وجامعيّةِ أنواع العلوم وتسميته علّامةً ، وهذا ذمّ لكلّ من النّهِم في الدنيا والنهِم في العلم بأنّ شيئا منهما لا يبلغ إلى حدّ يحصل به المطلوب ، وتطمئنّ به النفس مع إضراره بالآخرة ، كما مرّ في رابع «باب استعمال العلم» ، ولذا فرّع عليه قوله : (فَمَنِ) . هذا إلى آخره يمكن أن يكون من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وأن يكون من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
(اقْتَصَرَ مِنَ الدُّنْيَا عَلى مَا أَحَلَّ اللّهُ لَهُ) . إشارةٌ إلى أنّ طالب الدنيا يكتسب ما لم يحلّ اللّه البتّة ، أو غالبا ، أو إلى أنّ ما اكتسب من المال بالنهم ليس بحلال من جهة النهم ، وإن كان حلالاً في حدّ نفسه . ويحتمل أن يُراد ما أحلّ اللّه له الاقتصار عليه ولم يوجب عليه كسب الزائد ؛ لوفائه بنفقة العيال .
(سَلِمَ) أي من عذاب الآخرة ، أو من الحساب ، أو من عذاب الدنيا للنهم فيها وأنواع التعب لتحصيلها وحفظها في كلّ وقت ، كما في قوله تعالى : «فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ»۲ .
(وَمَنْ تَنَاوَلَهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا) ، كما هو شأن النهِم فيها .
(هَلَكَ إِلَا أَنْ يَتُوبَ) بالشروط المقرّرة ، منها ردّ حقّ صاحب الحقّ إليه إن تيسّر .
(أَوْ يُرَاجِعَ) ؛ بكسر الجيم ، مأخوذٌ من الرجع بالفتح، من باب ضرب ، وهو الردّ والمراجعة ، ردَّ الشريك شيئا عن تصرّف شريكه فيه حين القسمة .
وأصله أنّ المال إذا كان مشتركا بين اثنين ، كان كلّ جزء منه في تصرّف كلّ واحد

1.ترتيب كتاب العين ، ج ۳ ، ص ۱۸۴۹ ؛ النهاية ، ج ۵ ، ص ۱۳۸ (نهم) .

2.التوبة (۹) : ۵۵ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 120088
صفحه از 602
پرینت  ارسال به