423
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

هذه فلا بأس عليه إذا فعل ما اُمر به من السؤال ، إنّما عليه حينئذٍ العمل بقولهم بدون إفتاء ولا قضاء حقيقيّين . وأمّا الإفتاء والقضاء الغير الحقيقيّين ـ وهما رواية الحديث عنهم ليعمل به في غير منازعة وفي منازعة ـ فجائزان له .
الثاني : أنّ جوابهم وإن كان تقيّة أو خلاف الظاهر أو مجملاً ، كان حاملاً على القصد حينئذٍ ، وجاليا للجهل بالكلّيّة ، ومعرِّفا للحقّ ، فإنّه يُعلَم به الحكم الواصلي ؛ إمّا معيّنا كما في الظاهر ، أو مخيّرا كما في المجمل ؛ إذ ليس على المكلّف في مثل هذا إلّا سؤالهم والعمل بما قالوا ، وسيجيء في سابع «باب اختلاف الحديث» قوله : «من عرف أنّا لا نقول إلّا حقّا ، فليكتف بما يعلمه ۱ منّا» إلى آخره . مع شرحه .
إن قلت : الجواب الأوّل مبنيّ على جعل «حتّى» بمعنى «كي» ، والاستشهاد بالآية بدل على أنّها بمعنى «إلى» نحو قوله : «حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»۲ ، فإنّ المعلّق على شرط ـ وهو هنا عدم العلم ـ يتكرّر بتكرّر الشرط ، ويدوم بدوامه .
قلت : زيادة «كنتم» في الشرط للدلالة على أنّ الشرط في معنى الماضي كقوله : «إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ»۳ و «إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ»۴ ، و «إِنْ كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ»۵ ، وما ذكرتم على تقدير صحّته إنّما هو في الشرط المستقبل .
(قَالَ اللّهُ تَعَالى) ؛ في سورة الأنبياء : ( «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»۶ ) ؛ يعني أنّ المراد بأهل الذِّكر العلماء بجميع كتاب اللّه الذي هو تبيان كلّ شيء ، وهم أئمّة الهدى . ويجيء في «كتاب الحجّة» في «باب أنّ أهل الذِّكر الذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم هم الأئمّة عليهم السلام » روايات في هذا المعنى :
منها : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول اللّه

1.في الكافي المطبوع : «يعلم» بدل «يعلمه» .

2.طه (۲۰): ۹۱ .

3.المائدة (۵) : ۱۱۶ .

4.يوسف (۱۲) : ۲۶ .

5.هود (۱۱) : ۳۴ .

6.الأنبياء (۲۱) : ۷ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
422

الاجتهاد في ترجيح أحد المتعارضين منه ، أو في تأويل ظاهر منه ، أو في تخصيص عامّ منه ، أو في نحو ذلك .
(حَتّى) ؛ بمعنى «كي» التعليليّة ، كقوله : «وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ»۱ . (يَحْمِلُوكُمْ) ؛ من باب ضرب ، يُقال : حمله على الأمر : إذا أغراه به .
(فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ) ؛ بالفتح : استقامة الطريق والوسط بين الإفراط والتفريط في القول والفعل . وهو ناظر إلى قوله : «الكفّ عنه» .
(وَيَجْلُوا) ؛ بفتح ياء المضارعة وسكون الجيم وضمّ اللام ، وفيه ضمير الجمع الراجع إلى أئمّة الهدى ، يُقال : جلا الهمَّ عنه ، أي أذهبه . ۲(عَنْكُمْ فِيهِ الْعَمى) ؛ بفتح المهملة ، أي الجهل بالكلّيّة . وهو ناظر إلى قوله : و«التثبّت» .
(وَيُعَرِّفُوكُمْ) ؛ من باب التفعيل ، أي يعلّموكم .
(فِيهِ الْحَقَّ) . هو ناظر إلى قوله : «والردّ إلى أئمّة الهدى» .
إن قلت : قد يكون جواب أئمّة الهدى مبنيّا على تقيّة ، أو على إرادة خلاف الظاهر بتأويل ، أو تخصيص غير معلوم لنا ، أو يكون فيه إجمال ، فلِمَ يحملونّا حينئذٍ على القصد ولم يجلو العمى ولم يعرّفونا الحقّ؟

قلت : عنه جوابان :

الأوّل : أنّه ليس في الحديث دلالة إلّا على أنّ أئمّة الهدى يتأتّى منهم هذه ۳ ؛ لعلمهم بجميع ما يسألون عنه من الشريعة حتّى ما لم يعلمه الرعيّة من جهة النبيّ ، ويجب الردّ إليهم فيه لطلب هذه ثمّ العمل بما قالوا ، فإن كان السائل من خواصّهم المنقطعين إليهم المزاولين لأحاديثهم حصل له هذه غالبا ، ولا سيّما في المشافهة ، وإن لم يحصل له

1.البقرة (۲) : ۲۱۷ .

2.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۳۰۴ ؛ لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۱۵۲ (جلا) .

3.في حاشية «أ» : «أي هذه الثلاثة وهي الحمل والجلاء والتعريف» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 97724
صفحه از 602
پرینت  ارسال به