425
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

أَرْسَلْنَا» إنّه جواب لقولهم : «هَلْ هَذَا إِلَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» يأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب عن حال الرُّسل المتقدِّمة لتزول عنهم الشبهة ، والإحالة إليهم إمّا للإلزام ؛ فإنّ المشركين كانوا يشاورونهم في أمر النبيّ ويثقون بقولهم ، أو لأنّ إخبار الجمّ الغفير يوجب العلم ، وإن كانوا كفّارا . 1 انتهى .
ثمّ قالوا : إنّ الآية تدلّ على وجوب مراجعة المقلّدين إلى المجتهدين . انتهى .
وفيه : أنّهم لو كانوا استدلّوا بكونه بشرا لما قالوا : «كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ» إنّما استدلّوا بمجموع كونه بشرا مثلكم ، ومعنى المثليّة أنّه لا فضل له في كمالات البشر عليكم . فالحاصل أنّه لا فضل له عليكم أصلاً ؛ لأنّ التفاوت في الفضل إمّا من جهة الجنس بأن يكون مَلَكا مثلاً وهو بشر ، وإمّا من جهة كمالات الجنس وهو مثلكم ، وأيضا يكفي في ردّ السلب الكلّي الإيجاب الجزئي ، ومعلوم لكلّ من عرف أهل الكتاب بدون سؤالهم أنّهم يعتقدون رسالة رجلٍ : موسى أو عيسى .
ودعوى الذين ظلموا مكابرة لمعارضة المعجزات ، فلا حاجة إلى مقابلتهم بالدعوى ، بل يكفي المنع ، فالقول بأنّه دعوى للحصر في مقابلتهم موكّدا بهذا الدليل ـ وهو الاستناد إلى قول جمع أخبر 2 عنهم بأنّهم يحرّفون الكلم عن مواضعه ، ولم يعبّر عنهم في غير ما نحن فيه بأهل الذِّكر ، بل بأهل الكتاب ـ يحتاج إلى تكلّف .
وأيضا يصير قوله : «نُوحِى إِلَيْهِمْ» كاللغو ، وكذا الفاء ؛ لأنّ المقام مقام الاستئناف البياني ، وكون الفاء فصيحة في جزاء شرط محذوف ، كقوله : «فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ» بعيد ؛ لأنّه لا يذكر بعد الفصيحة شرط ، وقد ذكر هنا بقوله : «إِنْ كُنْتُمْ» .
وأيضا ظاهر السياق حينئذٍ أن يقول بدل «قبلك» : «قبله» أو بدل «فاسألوا» إلى آخره : «فليسأل» إلى آخره .
وأيضا أمر مكابرين بسؤال كافرين ليس إلّا للتبكيت ، ولا يكون للتكليف حتّى يكون دليلاً للمخالفين على وجوب مراجعتهم إلى مجتهديهم .

1.تفسير البيضاوي ، ج ۴ ، ص ۸۴ . وفي الكشاف ؛ ج ۲ ، ص ۵۶۲ بالمضمون .

2.في «أ» : «أخير» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
424

عزّ وجلّ : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» أنّهم اليهود والنصارى ، قال : «إذا يدعونهم 1 إلى دينهم» ، ثمّ قال بيده إلى صدره : «نحنُ أهل الذِّكر ، ونحن المسؤولون» 2 .
ومنها : عن الفضيل عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تبارك وتعالى : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» 3 قال : «الذِّكر القرآن ، ونحن قومه ، ونحن المسؤولون» 4 انتهى .
وتوضيحه مع قطع النظر عن الروايات أنّه تعالى قال في سورة النحل : «وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى اللّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْاخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَا رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» 5 ، وفي سورة الأنبياء : «مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ * مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ * وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَا رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ» 6 .
وقال المخالفون 7 في قوله : «هَلْ هَذَا إِلَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» كأنّهم استدلّوا بكونه بشرا على كذبه في ادّعاء الرسالة ؛ لاعتقادهم أنّ الرسول لا يكون إلّا مَلَكا 8 ، وقالوا في قوله : «وَمَا

1.في الكافي المطبوع : «يدعونكم» .

2.الحديث ۷ من باب أنّ أهل الذكر الذين ... .

3.الزخرف (۴۳) : ۴۴ .

4.الحديث ۵ من باب أنّ أهل الذكر الذين ... .

5.النحل (۱۶) : ۴۱ ـ ۴۴ .

6.الأنبياء (۲۱) : ۲ ـ ۸ .

7.في حاشية «أ ، ج» : «قاله الزمخشري والبيضاوي (منه دام ظله)» .

8.تفسير البيضاوي ، ج ۴ ، ص ۸۲ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 97698
صفحه از 602
پرینت  ارسال به