أَرْسَلْنَا» إنّه جواب لقولهم : «هَلْ هَذَا إِلَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» يأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب عن حال الرُّسل المتقدِّمة لتزول عنهم الشبهة ، والإحالة إليهم إمّا للإلزام ؛ فإنّ المشركين كانوا يشاورونهم في أمر النبيّ ويثقون بقولهم ، أو لأنّ إخبار الجمّ الغفير يوجب العلم ، وإن كانوا كفّارا . 1 انتهى .
ثمّ قالوا : إنّ الآية تدلّ على وجوب مراجعة المقلّدين إلى المجتهدين . انتهى .
وفيه : أنّهم لو كانوا استدلّوا بكونه بشرا لما قالوا : «كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ» إنّما استدلّوا بمجموع كونه بشرا مثلكم ، ومعنى المثليّة أنّه لا فضل له في كمالات البشر عليكم . فالحاصل أنّه لا فضل له عليكم أصلاً ؛ لأنّ التفاوت في الفضل إمّا من جهة الجنس بأن يكون مَلَكا مثلاً وهو بشر ، وإمّا من جهة كمالات الجنس وهو مثلكم ، وأيضا يكفي في ردّ السلب الكلّي الإيجاب الجزئي ، ومعلوم لكلّ من عرف أهل الكتاب بدون سؤالهم أنّهم يعتقدون رسالة رجلٍ : موسى أو عيسى .
ودعوى الذين ظلموا مكابرة لمعارضة المعجزات ، فلا حاجة إلى مقابلتهم بالدعوى ، بل يكفي المنع ، فالقول بأنّه دعوى للحصر في مقابلتهم موكّدا بهذا الدليل ـ وهو الاستناد إلى قول جمع أخبر 2 عنهم بأنّهم يحرّفون الكلم عن مواضعه ، ولم يعبّر عنهم في غير ما نحن فيه بأهل الذِّكر ، بل بأهل الكتاب ـ يحتاج إلى تكلّف .
وأيضا يصير قوله : «نُوحِى إِلَيْهِمْ» كاللغو ، وكذا الفاء ؛ لأنّ المقام مقام الاستئناف البياني ، وكون الفاء فصيحة في جزاء شرط محذوف ، كقوله : «فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ» بعيد ؛ لأنّه لا يذكر بعد الفصيحة شرط ، وقد ذكر هنا بقوله : «إِنْ كُنْتُمْ» .
وأيضا ظاهر السياق حينئذٍ أن يقول بدل «قبلك» : «قبله» أو بدل «فاسألوا» إلى آخره : «فليسأل» إلى آخره .
وأيضا أمر مكابرين بسؤال كافرين ليس إلّا للتبكيت ، ولا يكون للتكليف حتّى يكون دليلاً للمخالفين على وجوب مراجعتهم إلى مجتهديهم .