الثاني : أنّ المراد بقوله : «إِلَا رِجَالاً» بيان أنّ كلّ رسول كان ممّن يحتاج إلى أكل الطعام ويمرض ويموت ، ولم يكن خالدا ما بقي دينه ؛ ردّا لقولهم المحكيّ بقوله تعالى في سورة النحل : «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ»۱ أي حيث لا يبعث رسول آخر بعده ، وقولُه : «نوحي» استئناف بياني ، كأنّ سائلاً يقول : فَاِلامَ يصير تكليف اُمّته بعد مماته وقبل نسخ دينه ؟
ويحتمل كونه صفة «رجالاً» ، والفاء للعطف على محذوف ، أو مقدّر ، وهي تحت الوحي ، فكأنّه قال : نوحي إليهم أن خذوا معالم دينكم عن رسولكم، أي في حياته «فَسْئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ»۲ أي بعد مماته ؛ والذكر : الحفظ للشيء ، وهو ضدّ النسيان . والمراد بالذِّكر هنا وسيلة العلم بجميع أحكام اللّه تعالى كالنبيّ وكالقرآن ، موافقا لآية سورة الطلاق : «قَدْ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرا * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيِّنَاتٍ»۳ ، وآية سورة الزخرف : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ»۴ ، باعتبار أنّه محفوظ عند من هو ذكرٌ له دون غيره .
والمراد بالبيّنات : الواضحات ، وهي المقدّمات البديهيّة بالنسبة إلى ذهن كلّ عاقل مكلّف ، وبالزبر : الآيات من كتاب اللّه اللاتي لا نحتاج في العلم بمعناهنّ إلى أمرٍ خارج ، وهنّ المحكمات .
وقوله : «فاسألوا» و«لا تعلمون» لهما مفعول مقدّر ، أي فاسألوهم كلّ شيء إن لم تعلموه . ويؤيّده قوله في هذا الحديث : «فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون» .
ويحتمل أن يكونا جاريين مجرى اللازم ، أي كونوا مقلّدي أهل الذِّكر إن لم تكونوا من أهل الذِّكر . والظرف على الأوّل متعلّق ب «تعلمون» ، وعلى الثاني متعلّق ب «فاسألوا» ، وزيادة «كنتم» في الشرط ـ مع أنّه يكفي أن يُقال : إن لم تعلموا ـ تدلّ مع المضارع ، على