427
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

الثاني : أنّ المراد بقوله : «إِلَا رِجَالاً» بيان أنّ كلّ رسول كان ممّن يحتاج إلى أكل الطعام ويمرض ويموت ، ولم يكن خالدا ما بقي دينه ؛ ردّا لقولهم المحكيّ بقوله تعالى في سورة النحل : «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ»۱ أي حيث لا يبعث رسول آخر بعده ، وقولُه : «نوحي» استئناف بياني ، كأنّ سائلاً يقول : فَاِلامَ يصير تكليف اُمّته بعد مماته وقبل نسخ دينه ؟
ويحتمل كونه صفة «رجالاً» ، والفاء للعطف على محذوف ، أو مقدّر ، وهي تحت الوحي ، فكأنّه قال : نوحي إليهم أن خذوا معالم دينكم عن رسولكم، أي في حياته «فَسْئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ»۲ أي بعد مماته ؛ والذكر : الحفظ للشيء ، وهو ضدّ النسيان . والمراد بالذِّكر هنا وسيلة العلم بجميع أحكام اللّه تعالى كالنبيّ وكالقرآن ، موافقا لآية سورة الطلاق : «قَدْ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرا * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيِّنَاتٍ»۳ ، وآية سورة الزخرف : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ»۴ ، باعتبار أنّه محفوظ عند من هو ذكرٌ له دون غيره .
والمراد بالبيّنات : الواضحات ، وهي المقدّمات البديهيّة بالنسبة إلى ذهن كلّ عاقل مكلّف ، وبالزبر : الآيات من كتاب اللّه اللاتي لا نحتاج في العلم بمعناهنّ إلى أمرٍ خارج ، وهنّ المحكمات .
وقوله : «فاسألوا» و«لا تعلمون» لهما مفعول مقدّر ، أي فاسألوهم كلّ شيء إن لم تعلموه . ويؤيّده قوله في هذا الحديث : «فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون» .
ويحتمل أن يكونا جاريين مجرى اللازم ، أي كونوا مقلّدي أهل الذِّكر إن لم تكونوا من أهل الذِّكر . والظرف على الأوّل متعلّق ب «تعلمون» ، وعلى الثاني متعلّق ب «فاسألوا» ، وزيادة «كنتم» في الشرط ـ مع أنّه يكفي أن يُقال : إن لم تعلموا ـ تدلّ مع المضارع ، على

1.الأنبياء (۲۱) : ۷ .

2.الزخرف (۴۳) : ۴۴ .

3.النحل (۱۶) : ۳۸ .

4.الطلاق (۶۵) : ۱۰ ـ ۱۱ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
426

وأمّا قوله تعالى في سورة يونس : «فَإِنْ كُنْتَ فِى شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ»۱ ، فهو كقوله في سورة الزخرف : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا»۲ ، وليسا ممّا نحن فيه ، كما مرّ بيانهما في ثاني عشر «باب العقل» عند قوله : «يا هشام ما بعث اللّه أنبياءه ورسله [إلى عباده] ۳ إلّا ليعقلوا عن اللّه » .
والأقرب أنّ الآيتين السابقتين كاللاحقتين للنهي عن اتّباع الاجتهاد المتضمّن للقول على اللّه بغير علم ، بل بالظنّ والرأي ، وللعمل في الشرعيّات بالظنّ والرأي ، مع بيان أنّ هذا النهي ممّا جاء به كلّ رسول إلى اُمّته .
ويمكن تقريرهما حينئذٍ بوجهين :
الأوّل وهو الأنسب بقوله تعالى في سورة يوسف : «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَا رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى»۴ ، وبقوله تعالى في سورة الأنبياء : «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَا أَنَا فَاعْبُدُونِ»۵ أنّ المراد برجالاً : كاملين في الرجوليّة ، وبقوله : «نوحي إليهم» : نَقِفُهُم في دقيق الأحكام وجليلها على الوحي لا نرخّص لهم في الاعتماد على الرأي أصلاً ، مع كمال عقلهم وذكائهم ، وكونهم من أهل القرى ، وهم أعلم وأبصر من أهل البوادي ، فحاصله : لو جوّزنا الدعاء إلى اللّه على غير بصيرة وعلم ، بل على الاعتماد على الرأي في نفس الأحكام لأحدٍ ، لكان تلك الرسل أولى به ؛ لقربهم إلى اللّه ، وكون رأيهم أقرب إلى الصواب لكمالهم في أنفسهم ، ولكن لم نجوّز لهم ؛ لكونه إشراكا كإشراك الذين اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه . وقوله «فاسألوا» تفريع عليه وخطاب لاُمّة رسولنا صلى الله عليه و آله .

1.يونس (۱۰) : ۹۴ .

2.الزخرف (۴۳) : ۴۵ .

3.مابين المعقوفين من المصدر .

4.يوسف (۱۲) : ۱۰۸ ـ ۱۰۹ .

5.الأنبياء (۲۱) : ۲۵ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 97699
صفحه از 602
پرینت  ارسال به