487
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ» 1 .
(فَقَالَ : يَا يُونُسُ ، لَا تَكُونَنَّ مُبْتَدِعا) ؛ بصيغة الفاعل من باب الافتعال ، ومضى معناه في شرح عنوان الباب ، وإنّما كان المبتدع مشركا لأنّه عبدَ نفسه من حيث لا يعلم ؛ لأنّه جعل نفسه شريكا للّه في الحكم في الدين ، قال تعالى في سورة الأنعام : «إِنْ الْحُكْمُ إِلَا للّهِِ» 2 ، وقال فيها : «اتَّبِعْ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ» 3 . والمبتدع ينكر كونه مشركا ؛ لعدم التفاته إلى افترائه ، قال تعالى فيها : «قَالُوا وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ» 4 .
(مَنْ نَظَرَ بِرَأْيِهِ) . استئنافٌ لتفصيل الابتداع ببيان ثلاثة أقسام من لوازمه ؛ أي من فكّر في المسائل وتعيين الصواب من الخطأ وكان المعيار رأيه ـ أي ظنّه بأنّ الصواب كذا كما هو شأن المجتهدين ـ يأوّلون ويخصّصون ظواهر القرآن وظواهر الحديث بالظنّ بالتأويل والتخصيص ، ويرجّحون الأحاديث المتعارضة بالظنّ ، ويقولون : لا شيء إلّا ما أدركته عقولنا وعرفته ألبابنا ، وهذا من أقوى لوازم الابتداع وعبادة النفس .
(هَلَكَ ) أي صار جهنّميا .
(وَمَنْ تَرَكَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ) . هذا بيان لثاني أقسام لوازم الابتداع ؛ أي ومن لم ينظر برأيه ، لكنّه قلّد أئمّة الضلالة ومجتهديها ، لا أهل البيت المؤدّين عن اللّه تعالى لا باجتهاد .
وفي آخر «كتاب الروضة» في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : «فإنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ بعث محمّدا صلى الله عليه و آله بالحقّ ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته ، ومن عهود عباده إلى عهوده ، ومن طاعة عباده إلى طاعته ، ومن ولاية عباده إلى ولايته» إلى قوله : «وقد اجتمع القوم على الفرقة ، وافترقوا عن الجماعة» الخطبة . 5 أي اتّفقوا على جواز التفرّق

1.آل عمران (۳) : ۳۶ .

2.الأنعام (۶) : ۵۷ .

3.الأنعام (۶) : ۱۰۶ .

4.الأنعام (۶) : ۲۳ ـ ۲۴ .

5.الكافي ، ج ۸ ، ص ۳۸۶ ، ح ۵۸۶ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
486

(كَانَ يَقُولُ :) . لفظة «كان» إذا دخلت على المضارع أفاد الاستمرار في الماضي .
(قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ) . لم يلاحظ في هذين الفعلين مفعولاهما ، بل اُجريا مجرى اللازم ، وأكثر استعمال مثل هذا الكلام في ترجيح القائل أقوال نفسه على أقوال غيره ، فمقصوده ـ خذله اللّه ـ أنّه اطّلع من استنباط المسائل على دقائق ولطائف غفل عنها السابقون ، وإنّما هي جهالات تركها السابقون ؛ لعلمهم بأنّها نشأت من اتّباع الرأي المنهيّ عنه في الشريعة ، وقد يستعمل في مجرّد عدم تسليمه الفضل لغيره بدون دعوى ترجيح كما تقول لمن ينهاك عن مخالفة رأي زيد : هو رجل وأنا رجل ، أو هو قائل وأنا قائل .
ويحتمل أن لا يكون الفعلان في مجرى اللازم ، بل حذف مفعولاهما اقتصارا 1 في النقل على موضع الحاجة ؛ أي قال عليّ كذا وكذا ، وقلت كذا وكذا خلافا له ، فالمقصود حينئذٍ أنّه كان يجوّز الاختلاف في الدِّين حتّى الاختلاف بينه وبين عليّ ، بناءً على زعمه أنّ عليّا كان قد يحكم لا عن علم ، بل عن الاجتهاد .
ويحتمل أن يُراد أنّه كان يقول ذلك إذا أراد قياس شيء على حكم عليّ عليه السلام في موضع آخر ، أو أنّه ردّ على عليّ عليه السلام في مسألة بترجيح قياس نفسه على قياس عليّ بزعمه ، أو أنّه رجّح قياس نفسه على حكم عليّ عليه السلام ؛ لأنّه خبر واحد ، ومن مذهبه ترجيح القياس على خبر الواحد .
(قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : وَاللّهِ ، مَا أَرَدْتُ إِلَا أَنْ يُرَخِّصَ لِي فِي الْقِيَاسِ) .
العاشر : (مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ رَفَعَهُ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام : بِمَا) . اسم استفهام ، وإثبات ألفه مع حرف الجرّ نادر .
(أُوَحِّدُ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ) : بصيغة المتكلّم وحده من باب التفعيل . والمراد بما يوحّده به : ما لا يقبل اللّه توحيده ، وقولَه : لا إله إلّا اللّه إلّا به ، فيكون فاقده مع ظاهر إيمانه وشهادته تحت قوله تعالى في سورة آل عمران : «كَيْفَ يَهْدِى اللّهُ قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ

1.في «ج» : «اختصارا» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 119060
صفحه از 602
پرینت  ارسال به