493
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

تجلس ضامّا نفسك أو متوجّها إليه . والمراد أنّك إن كنت تجلس معه أي كثيرا ، لسمعت ذلك البتّة منه .
(فَقُلْتُ : لَا ، وَلكِنْ هذَا كَلَامُهُ) أي أعلم أنّه كان يقول ذلك بدون جلوس كثير إليه .
(فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، أَتى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله النَّاسَ بِمَا يَكْتَفُونَ بِهِ فِي عَهْدِهِ؟) أي بما يتناول كلّ واحد من أفعالهم تناول المسائل الفقهيّة للأفعال الشخصيّة ، وذلك بأن يأتي بما يعلم به الحكم الواقعي لكلّ فعل من أفعالهم .
وفيه إشارة إلى أنّه إذا لم يأت بالجميع كان الباقي موكولاً إلى اجتهاد الاُمّة ، وكان عليّ والصحابة مضطرّين إلى الاجتهاد والحكم بالرأي وتجويز الاختلاف فيه ، فلم يكن اعتراض على أبي حنيفة ؛ لأنّه ليس الفتوى في الباقي قولاً على اللّه ، فلا يندرج في الآيات الناهية عن القول على اللّه بغير علم ، وليس فيه احتمال كونه حكما بخلاف ما أنزل اللّه ، فلا يندرج في الوعيد في نحو قوله : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ» 1 في الآيات الثلاث في سورة المائدة .
(فقَالَ : نَعَمْ ، وَمَا يَحْتَاجُونَ) أي وبما يحتاجون ، وهو عطف تلقين .
(إِلَيْهِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) أي أتى بما ذكرت ، وبما يزيد عليه بوجهين :
الأوّل : ما قد يحتاجون إليه في عهده ، وذلك إمّا فيما تعذّر علمهم بالحكم الواقعي فيه ، فقد أتى بالمسائل الاُصوليّة التي يعلم بها الحكم الواصلي لكلّ فعل من أفعالهم حينئذٍ ، ولم يَكِلهُم فيه إلى عقولهم ، وإمّا في التفاوت في الدِّين بين أصناف نوع واحد من الحكم ، ككون بعض المستحبّات أحسن في الدِّين من بعض ، وبعض الواجبات أوجب في الدِّين من بعض ، وبعض المحظورات أقبح في الدِّين من بعض وهكذا ، فقد أتى بجميع الترغيبات والترهيبات ، ولم يدع لأحد فيها كلاما .
الثاني : ما يعلم به الحكم الواقعي والحكم الواصلي والتفاوت لكلّ فعل من أفعال مَن بعدهم إلى يوم القيامة ، وهذا مستنبط من قوله تعالى في سورة النحل : «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ

1.المائدة (۵) : ۴۴ ، ۴۵ و ۴۷ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
492

على أن يكون «هؤلاء» إشارة إلى الذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه ، وهو النهي عن اتّباع الظنّ والاختلاف عن ظنّ .
وكذا آية سورة آل عمران : «هَا أَنْتُمْ أُوْلَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ»۱ ، على أن يكون «اُولاء» إشارةً إلى المنافقين الذين مردوا على النفاق ، فأحبّهم المنافقون ۲ وجعلوهم خلفاء بعد الرسول صلى الله عليه و آله .
الثاني : أن يكون «ها» اسم ۳ فعل بمعنى «خذوا» ويستوي فيه الإفراد والتثنية والجمع ، والمقصود الأمر بأخذ العلم والجواب الصحيح عن أهل الذِّكر عليهم السلام .
(وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلى فِيهِ) . يُقال : أهوى يدي وهوت أيضا ـ كرمت ـ أي امتدّت وارتفعت ، فالباء للتعدية ؛ والمقصود وضع يده على فمه لتأكيد الأمر بالسكوت ، أو الإشارة بيده إلى فمه للأمر بوجوب أخذ الجواب الصحيح عنه عليه السلام .
(ثُمَّ قَالَ : لَعَنَ اللّهُ أَبَا حَنِيفَةَ ؛ كَانَ يَقُولُ : قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ۴، وَقَالَتِ الصَّحَابَةُ وَقُلْتُ) أي كان لا يسلّم ۵ لعليّ ولا لغيره من الصحابة ، ومضى في تاسع الباب ما يكفي في شرحه . والمراد بالصحابة إمّا بعضهم كما في ۶
قوله : «فَنَادَتْهُ الْمَلَئكَةُ»۷ وإمّا جميعهم . ۸(ثُمَّ قَالَ : أَ كُنْتَ تَجْلِسُ إِلَيْهِ ؟) . «إلى» بمعنى «مع» كما في قوله تعالى : «إِلَى الْمَرَافِقِ»۹ ، ويجيء بيانه في عاشر الثالث والعشرين ، فالظرف مستقرّ حال عن فاعل «تجلس» أو لغو متعلّق بـ «تجلس» وعدّي بـ «إلى» لتضمين الضمّ أو التوجّه ؛ أي

1.آل عمران (۳) : ۱۱۹ .

2.في «د» : «المخاطبون» .

3.في «أ» : - «اسم».

4.في الكافي المطبوع : + «أنا» .

5.في «أ» : «يسمّ» .

6.في «ج ، د» : «نظير» بدل : «كما في» .

7.آل عمران(۳) : ۳۹ .

8.مجمع البيان ، ج ۲ ، ص ۲۸۶ ؛ معاني القرآن للنحّاس ، ج ۱ ، ص ۳۹۰ .

9.المائدة (۵) : ۶ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 118600
صفحه از 602
پرینت  ارسال به