تجلس ضامّا نفسك أو متوجّها إليه . والمراد أنّك إن كنت تجلس معه أي كثيرا ، لسمعت ذلك البتّة منه .
(فَقُلْتُ : لَا ، وَلكِنْ هذَا كَلَامُهُ) أي أعلم أنّه كان يقول ذلك بدون جلوس كثير إليه .
(فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّهُ ، أَتى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله النَّاسَ بِمَا يَكْتَفُونَ بِهِ فِي عَهْدِهِ؟) أي بما يتناول كلّ واحد من أفعالهم تناول المسائل الفقهيّة للأفعال الشخصيّة ، وذلك بأن يأتي بما يعلم به الحكم الواقعي لكلّ فعل من أفعالهم .
وفيه إشارة إلى أنّه إذا لم يأت بالجميع كان الباقي موكولاً إلى اجتهاد الاُمّة ، وكان عليّ والصحابة مضطرّين إلى الاجتهاد والحكم بالرأي وتجويز الاختلاف فيه ، فلم يكن اعتراض على أبي حنيفة ؛ لأنّه ليس الفتوى في الباقي قولاً على اللّه ، فلا يندرج في الآيات الناهية عن القول على اللّه بغير علم ، وليس فيه احتمال كونه حكما بخلاف ما أنزل اللّه ، فلا يندرج في الوعيد في نحو قوله : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ» 1 في الآيات الثلاث في سورة المائدة .
(فقَالَ : نَعَمْ ، وَمَا يَحْتَاجُونَ) أي وبما يحتاجون ، وهو عطف تلقين .
(إِلَيْهِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) أي أتى بما ذكرت ، وبما يزيد عليه بوجهين :
الأوّل : ما قد يحتاجون إليه في عهده ، وذلك إمّا فيما تعذّر علمهم بالحكم الواقعي فيه ، فقد أتى بالمسائل الاُصوليّة التي يعلم بها الحكم الواصلي لكلّ فعل من أفعالهم حينئذٍ ، ولم يَكِلهُم فيه إلى عقولهم ، وإمّا في التفاوت في الدِّين بين أصناف نوع واحد من الحكم ، ككون بعض المستحبّات أحسن في الدِّين من بعض ، وبعض الواجبات أوجب في الدِّين من بعض ، وبعض المحظورات أقبح في الدِّين من بعض وهكذا ، فقد أتى بجميع الترغيبات والترهيبات ، ولم يدع لأحد فيها كلاما .
الثاني : ما يعلم به الحكم الواقعي والحكم الواصلي والتفاوت لكلّ فعل من أفعال مَن بعدهم إلى يوم القيامة ، وهذا مستنبط من قوله تعالى في سورة النحل : «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ