501
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

كما قيل، ۱ ولم يكن الكفر فيه غير القياس ـ أم كان قياسه في وقت السجدة .
وأمّا إذا كان أوّل قياسه قبل ذلك الخطاب في سورة ص أيضا بأن يكون في ضمير إبليس حين سمع قوله : «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»۲ ، أو قوله : «إِنِّى خَالِقٌ بَشَرا مِنْ طِينٍ»۳ قبل سماع التتمّة أنّ نفسه خيرٌ منه بحيث يقبّح سجودها له بالقياس أو حكم به أيضا ، فالأمر أظهر .
وأمّا ثانيا، فلأنّه لا فرق بين النصّ على الحكم في المسألة الفقهيّة ـ كما في أمر إبليس بالسجود ـ وبين النصّ على الحكم في المسألة الاُصوليّة كما في الآيات الناهية عن القول على اللّه بغير علم ، وعن الاختلاف في الدِّين في عدم جواز المخالفة بالتأويل بالهوى ، بل تأويل إبليس أقرب من تأويلاتهم للنصوص، كما يظهر للمتتبّع ، فهم أيضا تكبّروا واستكبروا على أهل الذِّكر المأمور بسؤالهم فيما لا يعلم بادّعائهم لأنفسهم ما ليس لها من منصب الفتوى ، وأبوا أن يكونوا مع الصادقين .
ويظهر بهذا التحرير بطلان تأويل مثبتي القياس قولَ ابن عبّاس : مَن قاس الدِّين بشيءٍ من رأيه قرنه اللّه بإبليس ۴ بأنّه إذا كان جاهلاً بالقياس كإبليس .
(فَقَاسَ مَا بَيْنَ النَّارِ وَالطِّينِ) ، الفاء للتفريع أو للتعقيب، و«ما» موصولة وعبارة عن النسبة، والتقدير: فقاس على ما بين .
وترك ذكر المقيس هنا للاقتصار؛ لظهور أنّه النسبة بين إبليس وآدم ، فالمقصود أنّه عدَّ نفسه أشرف من آدم بقياس النسبة بين المخلوقين على النسبة بين المادّتين ، ويقيس المتفاخرون بالآباء كقياس إبليس غافلين عن أنّه لو كان المخلوق مثل المخلوق منه في الشرف والخسّة، لكان الآباء مثل آباء الآباء، وهكذا إلى آدم وحوّاء ،

1.في حاشية «أ»: القائل: «البيضاوي». تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۲۹۴؛ وج ۵، ص ۵۵.

2.البقرة (۲) : ۳۰ .

3.ص (۳۸) : ۷۱ .

4.مجمع البيان، ج ۴، ص ۲۲۵؛ تفسير الثعلبي، ج ۴، ص ۲۱۹؛ تفسير البغوي، ج ۲، ص ۱۵۰؛ تفسير الرازي، ج ۱۴، ص ۳۴.


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
500

(فَقَالَ :«خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ») . الفاء للتفصيل وبيان المقيس عليهما في القياسين السابقين . والمقصود أنّه قاس نفسه على النار التي هي مادّته ، وقاس آدم على الطين الذي هو مادّته ، كما هو مذكور في سورة الأعراف وسورة ص . ۱
ولا يجوز أن يحمل هذا ولا ما يجيء في العشرين من الباب على الاستدلال على بطلان القياس مطلقا ، وإلّا لتوجّه عليه الاعتراض بأنّ ذمّ إبليس على قياس خاصّ في وقت خاصّ لا بدل على قبح كلّ قياس ، ولا من كلّ أحد ، ولا في كلّ وقت إلّا بالقياس ؛ لجواز أن يكون في ذلك القياس أو في إبليس أو في ذلك الوقت خصوصيّة ليست في غيره ، وليس هذا الاستدلال من قبيل إبطال الشيء بنفسه ، وراجعا إلى دليل الخلف بأن يُقال : لو جاز قياس ما ، لجاز هذا القياس من إبليس ، وليس فليس ، وذلك لأنّ بطلان القياس من مسائل اُصول الفقه ، ومجوّزوا القياس لم يجوّزوه فيه ، إنّما جوّزوه في الفروع الفقهيّة .
إن قلت : هل يمكن الاعتراض على هذا الاستدلال أيضا بأنّ قياس إبليس كان في مقابلة النصّ، بخلاف قياسهم ؟
قلت : لا ؛ أمّا أوّلاً، فلأنّ وجوب سجود إبليس لم يكن منصوصا عليه أوّلاً ؛ أي حين ترك السجود قبل المعاتبة ، بل كان داخلاً في ظاهر عمومٍ خصّصه بالظنّ بالقياس كما يخصّصون ، بل ظنّه أقرب بناءً على عدم كونه من جنس الملائكة ، هذا إذا كان أوّل ما ذمّ إبليس عليه القياس حين الخطاب بقوله تعالى في سورة ص : «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»۲ ؛ سواء كان قياسه قبل وقت السجدة ـ كما هو ظاهر قوله في سورة ص : «اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ»۳ وفي سورة الأعراف : «لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ»۴ ؛ بناءً على كونهما استئنافا بيانيّا لقوله : «إِلَا إِبْلِيسَ» وعدم كونهما تكرارا له وكون المضيّ في «وكان من الكافرين» بالنسبة إلى الاستكبار ولم يكن باعتبار علم اللّه

1.الأعراف (۷) : ۱۲ ؛ ص (۳۸) : ۷۶ .

2.ص (۳۸) : ۷۲ .

3.ص، (۳۸): ۷۴.

4.الأعراف (۷) : ۱۱ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 95837
صفحه از 602
پرینت  ارسال به