كما قيل، ۱ ولم يكن الكفر فيه غير القياس ـ أم كان قياسه في وقت السجدة .
وأمّا إذا كان أوّل قياسه قبل ذلك الخطاب في سورة ص أيضا بأن يكون في ضمير إبليس حين سمع قوله : «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»۲ ، أو قوله : «إِنِّى خَالِقٌ بَشَرا مِنْ طِينٍ»۳ قبل سماع التتمّة أنّ نفسه خيرٌ منه بحيث يقبّح سجودها له بالقياس أو حكم به أيضا ، فالأمر أظهر .
وأمّا ثانيا، فلأنّه لا فرق بين النصّ على الحكم في المسألة الفقهيّة ـ كما في أمر إبليس بالسجود ـ وبين النصّ على الحكم في المسألة الاُصوليّة كما في الآيات الناهية عن القول على اللّه بغير علم ، وعن الاختلاف في الدِّين في عدم جواز المخالفة بالتأويل بالهوى ، بل تأويل إبليس أقرب من تأويلاتهم للنصوص، كما يظهر للمتتبّع ، فهم أيضا تكبّروا واستكبروا على أهل الذِّكر المأمور بسؤالهم فيما لا يعلم بادّعائهم لأنفسهم ما ليس لها من منصب الفتوى ، وأبوا أن يكونوا مع الصادقين .
ويظهر بهذا التحرير بطلان تأويل مثبتي القياس قولَ ابن عبّاس : مَن قاس الدِّين بشيءٍ من رأيه قرنه اللّه بإبليس ۴ بأنّه إذا كان جاهلاً بالقياس كإبليس .
(فَقَاسَ مَا بَيْنَ النَّارِ وَالطِّينِ) ، الفاء للتفريع أو للتعقيب، و«ما» موصولة وعبارة عن النسبة، والتقدير: فقاس على ما بين .
وترك ذكر المقيس هنا للاقتصار؛ لظهور أنّه النسبة بين إبليس وآدم ، فالمقصود أنّه عدَّ نفسه أشرف من آدم بقياس النسبة بين المخلوقين على النسبة بين المادّتين ، ويقيس المتفاخرون بالآباء كقياس إبليس غافلين عن أنّه لو كان المخلوق مثل المخلوق منه في الشرف والخسّة، لكان الآباء مثل آباء الآباء، وهكذا إلى آدم وحوّاء ،