511
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

بعد حديث العلماء والفقهاء من قول أبي جعفر عليه السلام : «إنّما يعرف القرآن مَن خُوطب به» . ۱
وإن اُريد أنّه تبيان لكلّ شيء بالنسبة إلى أذهان الرعيّة أيضا ، فهو بتوسّط المحكمات التي هي اُمّ الكتاب . وفي سورة يونس : «وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ»۲ أي تفصيل كلّ ما يليق بأن يكتب . وفي سورة يوسف : «مَا كَانَ حَدِيثا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»۳ أي تفصيل كلّ ما يليق بأن يفصّل .
قال بعض المخالفين :
فإن قلت : كيف كان القرآن تبيانا لكلّ شيء ؟ ۴
قلت : المعنى أنّه بيّن كلّ شيء من اُمور الدِّين حيث كان نصّا على بعضها ، وإحالةً على السنّة حيث اُمِر فيه باتّباع رسول اللّه وطاعته ، وقيل : «يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»۵ وحثّا على الإجماع في قوله : «وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ»۶ ، ورضي رسول اللّه لاُمّته اتّباع أصحابه والاقتداء بآثارهم في قوله : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ۷ وقد اجتهدوا وقاسوا ووطّأوا طرق القياس والاجتهاد ، فكانت السنّة والإجماع والقياس والاجتهاد مستندة إلى تبيان الكتاب ، فمن ثمّ كان تبيانا لكلّ شيء . ۸ انتهى .
وفيه أوّلاً : أنّ القياس والاجتهاد لا يفيان بجميع الأحكام الواقعيّة التي لا يستنبطها فقهاؤهم من الكتاب والسنّة والإجماع ، وهم صرّحوا بأنّ مالكا سُئل عن أربعين مسألة

1.الكافى ، ج ۸ ، ص ۳۱۲ ، ح ۴۸۵ .

2.يونس (۱۰) : ۳۷ .

3.يوسف (۱۲) : ۱۱۱ .

4.في حاشية النسخ : «هو الزمخشري في الكشاف (منه)» .

5.النجم (۵۳) : ۳ .

6.النساء (۴) : ۱۱۵ .

7.جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ، ج ۲ ، ص ۷۸ و ۹۰ ؛ شرح نهج البلاغة ، ج ۲۰ ، ص ۱۱ و ۲۳ و ۲۸ ؛ هذا وللسيد علي الميلاني المعاصر رسالة في حديث أصحابي كالنجوم، مطبوعة سنة ۱۴۱۸ هجرية .

8.الكشّاف ، ج ۲ ، ص ۴۲۴ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
510

الجنايات الموجبة للديات ، وقيم المتلفات فيه .
والمراد هنا القسم الأوّل ، فالمراد بالناس أكثر الناس ، و«أو» في قوله : «أو سنّة» لمنع الخلوّ ، كما يظهر ممّا مرّ آنفا .
الأوّل : (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ مُرَازِمٍ) ، بضمّ الميم والمهملة وكسر الزاي . (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : إِنَّ اللّهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ) . إشارةٌ إلى قوله تعالى في سورة النحل : «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ»۱ ، وآيات كثيرة قبله وبعده تمهيد وتتميم له ، فمَن جوّز الحكم بالرأي والمقاييس بعد تبيان اللّه تعالى كلّ شيء مشركٌ و «كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا» . ۲
والتبيان : البيان البليغ الواضح ، والمراد بكلّ شيء : كلّ ما يحتاج إليه العباد من الحلال والحرام ونحوهما ، كما يدلّ عليه تتمّة الحديث وثاني الباب ، فهذا كقوله : «وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَىْ ءٍ»۳ . والمحتاج إليه فيما نحن فيه جميع الأحكام التكليفيّة والوضعيّة من الفقهيّة والأُصوليّة ونحوهما .
فإن اُريد أنّ القرآن تبيان لكلّ شيء بالنسبة إلى ذهن رسول اللّه ومَن يقوم مقامه من الأئمّة الراسخين في العلم أهل الذِّكر فلا إشكال فيه ، ويطابقه ما في «كتاب الروضة»

1.النحل (۱۶) : ۸۹ .

2.في حاشية «أ» : «إشارة إلى مافي سورة النحل بعد تلك الآية بآيتين من قوله تعالى : «وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا» الآية والإنكاث : الانقاض ، واحدها : نكث ، وهو النقض بعد الفتل ، ومنه سمّوا من بايع الإمام طائعا ثم خرج عليه ناكثا ؛ لأنّه نقض ما وكّد على نفسه بالعهود ، والمعنى : لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نكثت غزلها من بعد إبرام وفتل للغزل . وهي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ، ثمّ تأمرهنّ أن ينقضن ما غزلن ولا يزال ذلك دأبها وكانت تسمّى خرقاء مكة ، واسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة ؛ عن الكلبي . وقيل : إنّه مثل ضربه اللّه تعالى ، شبّه فيه حال ناقض العهد بمن كان كذلك» . مجمع البيان ، ج ۶ ، ص ۱۹۳ و ۱۹۴ .

3.النمل (۲۷) : ۲۳ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 127539
صفحه از 602
پرینت  ارسال به