529
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

للتبيين ، ويكون المراد بالكتاب : جنس الكتب المتقدّمة .
(وَتَفْصِيلِ الْحَلَالِ مِنْ رَيْبِ الْحَرَامِ) . التفصيل : المبالغة في الفصل والتمييز ، والريب، بالفتح من باب ضرب إمّا بمعنى الشكّ ، فالإضافة إلى المفعول ، تقول : أرابني ـ بالألف ـ أمر فلان : إذا شكّك ، أي من احتمال كونه حراما ؛ وإمّا بمعنى الإيهام ، فالإضافة إلى الفاعل ؛ تقول : رابني أمر فلان : إذا أوهمك ما تكرهه ، وأفضى بك إلى سوء الظنّ به ؛ وإمّا بمعنى الحاجة ، فالإضافة إلى المفعول أيضا ، أي من الحاجة إلى الحرام . والحلال والحرام كما يكونان في الأحكام التكليفيّة يكونان في الأحكام الوضعيّة ، فيشملان جميع الأحكام ، وهذا تفسير لقوله تعالى في سورة يونس : «وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ»۱ ، بأنّ المراد تفصيل كلّ ما يليق بأن يكتب . وفي سورة يوسف : «مَا كَانَ حَدِيثا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»۲ .
(ذلِكَ) ؛ مبتدأٌ ، وهو إشارة إلى الأمر الجامع للأوصاف الثلاثة : كونه نسخة وتصديقا وتفصيلاً ، وهو على لغة من لا يتصرّف في الكاف الحرفيّة تصرّفَه في الكاف الإسميّة ، وإلّا لقال : «ذلكم» .
(الْقُرْآنُ) ؛ خبره ، ويمكن أن يكون «ذلك» عطف بيان لنسخة ، والقرآن صفة «ذلك» .
(فَاسْتَنْطِقُوهُ) . الاستنطاق إمّا بمعنى طلب النطق ، والفاء لجواب شرط محذوف ؛ أي وإن ارتبتم في كون القرآن كذلك فاستنطقوه ؛ أو للتفريع على كون القرآن كذلك ، وإمّا بمعنى عدّه ناطقا ، أي دالّاً على جميع ما ذكر ، والفاء للتفريع .
(وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ) ، يعني ليس نطق القرآن نطقه الحقيقي لغةً، أو ليس نطقه بالنسبة إليكم.
(أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ) أي إنّما استنطاقه المطلوب استنطاق من جعله اللّه تعالى قيّما له ، أو إنّما نطقه بالنسبة إلى القيّم .
(إِنَّ) ؛ بكسر الهمزة والتشديد ، ويمكن أن يكون بفتح الهمزة .

1.يونس (۱۰) : ۳۷ .

2.يوسف (۱۲) : ۱۱۱ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
528

كتاب ؛ أي يكتب . والمراد أنّه جاءهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بما هو مشتمِلٌ على جميع ما في الصحف الاُولى ، فكأنّها انتسخت منه .
ولا يمكن هذا المجاز في العكس ، لأنّه مشتمل على زائد عليها ؛ أو لأنّه معجز دونها ، فهو بنفسه وبإعجازه يشهد لها بدون عكس ، وفي سورة طه : «وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الْأُولَى»۱ ، ويجيء ما يناسب هذا في عاشر أوّل «كتاب فضل القرآن» .
(وَتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي وبمصدّق الذي ، أو وصف بالمصدر مبالغةً ، والمراد به هنا محقّق الصدق له ؛ أي ما لولاه لم يكن الذي بين يديه صادقا ، وهو الإنجيل ؛ لأنّ فيه الإخبار عن بعثة نبيّ كذا وكذا ، وكتاب كذا وكذا ، أو لأنّ فيه النهي عن اتّباع الظنّ ، والدلالة على أنّه لا يخلو زمان عن العالم بجميع أحكام الدِّين كما في سورة آل عمران : «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ»۲ الآية ، فلو لم يجي?القرآن كان الإنجيل ۳ كاذبا ، فكلّ من رسول اللّه وكتابه مصدّق للإنجيل ، كما أنّ كلّاً من عيسى والإنجيل مصدّق للتوراة .
قال تعالى في سورة المائدة : «وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْاءِنجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ»۴ ، إلى قوله : «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنا عَلَيْهِ» الآية . ۵ فـ «من» في قوله «من الكتاب» إمّا للتبيين ، واللام في «الكتاب» للعهد ، والمراد به الإنجيل ؛ وإمّا للتبعيض ، واللام للجنس . ويحتمل أن يراد ب «الذي بين يديه» : جنس الكتب المتقدّمة ، وحينئذٍ الأنسب أن يكون «من» في قوله «من الكتاب»

1.طه (۲۰): ۱۳۳ .

2.آل عمران (۳) : ۶۴ .

3.في «ج» : «انجيل» .

4.المائدة (۵) : ۴۶ .

5.المائدة (۵) : ۴۸ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 120145
صفحه از 602
پرینت  ارسال به