531
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلَا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ» 1 ، وفي قوله تعالى في سورة التوبة : «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ» 2 ، ومرَّ بيانه في أوّل باب التقليد ، وهو دالّ على نبوّة نبيّنا صلى الله عليه و آله وعلى إمامة أمير المؤمنين وأولاده الأحد عشر بعده ؛ إذ لم يبق منذ بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيما عداهم وأتباعهم إلّا من غاية دعواه الاجتهاد والظنّ ، ولولا أنّ المراد بالآيات الثلاث ما ذكر لكان السكوت في الحكم في شيء من الحوادث كفرا وظلما وفسقا ، وهو باطل ضرورة ، ويمكن أن يكون تخصيص ما قبل يوم القيامة بالذِّكر ؛ لأنّ القرآن لا يدلّ على كلّ حادث في يوم القيامة وما بعده .
(وَحُكْمَ) ؛ بالضمّ : الأمر والنهي ونحوهما ، مثل : «إِنِ الْحُكْمُ إِلَا للّهِِ» 3 . وقد يُطلق على الحِلّ والحرمة ونحوهما ، وهو عطف على «ما» ، أو على «علم» .
(مَا) ؛ موصولة ومحلّها الجرّ بالإضافة .
(بَيْنَكُمْ) أي بين أهل عصر فرض حالاً ، و«ما» عبارة عن الأفعال الصادرة عنهم ، وهذا من عطف الخاصّ على العامّ ، وفائدة ذكره وتغييرِ الاُسلوب حيث ذكر في الأوّلين العلمُ ، وفي هذا الحكم الإشارة إلى أنّ بيان القرآن في الحال لما مضَى وما يأتي خبر فقط ، وبيانه في الحال لما في الحال تكليف وحكم للمكلّفين ؛ بمعنى أنّ العمدة في نفع بيانه لما في الحال التكليفُ .
(وَبَيَانَ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) . «ما» موصولة ؛ إمّا عبارة عن تعيين الإمام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإمّا عن الأعمّ منه ومن سائر المسائل المختَلَف فيها . و«أصبحتم» من الأفعال الناقصة بمعنى صرتم بعد أن لم تكونوا ، وفيه إشارة إمّا إلى أنّ تعيين الإمام كان متّفقا عليه في زمن الرسول عليه السلام ، وإمّا إلى أنّ الاختلاف في الدِّين كان ممنوعا في زمن الرسول عليه السلام ، والظرف إمّا متعلّق بـ «تختلفون» وتقديمه للحصر ، فإنّ أوّل خلافهم بعد الرسول عليه السلام لم

1.آل عمران (۳) : ۶۴ .

2.التوبة (۹) : ۳۱ .

3.الأنعام (۶) : ۵۷ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
530

(فِيهِ عِلْمَ مَا مَضى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . في للظرفيّة ، أو للسببيّة ، وعلى الأوّل المراد بالعلم وسيلة العلم ، وليس المراد ب «ما مضى» وب «ما يأتي» الماضي والآتي بالنسبة إلى زمان خاصّ كزمان تكلّمه عليه السلام بهذا الكلام ، بل المراد بهما كلّ ماض وآت ، أي بالنسبة إلى أيّ زمان زمان فرض حالاً فيشملان كلّ حال أيضا ؛ لأنّ الحال لابدّ أن يصير ماضيا بالنسبة إلى حال بعده ، ونظيره قول النحاة : الماضي ما دلّ على زمان قبل زمانك . 1 فإنّهم لم يريدوا بزمانك زمان تكلّمهم بهذا الكلام فقط ، والمراد بالعلم بهما العلم بنفس الحوادث ووقوعها في كلّ وقت وقت من الماضي والمستقبل ، سواء كان ذاتا أو صفةً ، حكما أو غير حكم .
وقال بعض المخالفين 2 : الجفر والجامعة كتابان لعليّ ، وقد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم ، وكانت الأئمّة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما . 3 انتهى .
وكأنّهما لبيان كيفيّة دلالة القرآن على ما يدلّ عليه من الحوادث ، وحقيقة الحال يجيء في «باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة» من «كتاب الحجّة» .
إن قلت : إن كان في القرآن ما يدلّ على تفصيل وقوع كلّ حادث في وقته من الماضي والمستقبل ، لم يجز أن نقول بالظنّ : فعل زيد كذا ؛ لأنّه ربّما كان حكما بخلاف ما أنزل اللّه ، فتشمله الأوصاف الثلاثة المذكورة في سورة المائدة في قوله : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ» أو «اَلظالِمُون» أو «الفاسِقُون» 4 .
قلت : مقتضى سياق الآيات الثلاث أنّ ما أنزل اللّه عبارة عمّا هو صريح في جميع كتب اللّه كالتوراة والإنجيل، وهو النهي عن اتّباع الظنّ، وعن الاختلاف عن ظنّ المتضمّنين للإشراك باللّه كما في قوله تعالى في سورة آل عمران : «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ

1.حكاه الرضي في شرح الكافية ، ج ۴ ، ص ۱۱ : عن ابن الحاجب .

2.في حاشية النسخ : «يعني شارح المواقف» .

3.المواقف للإيجي ، ج ۲ ، ص ۵۹ .

4.المائدة(۵) : ۴۴ و ۴۵ و ۴۷ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 120094
صفحه از 602
پرینت  ارسال به