571
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

علم الآمر والناهي بالحكم الواقعي ولا علم المأمور والمنهيّ به ، جاز الجبر أو وجب وجوبا كفائيّا بشروط مقرّرة ، وإلّا لم يجز .
(قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ۱اخْتَارَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا ، فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا ، وَاخْتَلَفَا) أي الرجلان من أصحابنا (فِيمَا حَكَمَا ، وَكِلَاهُمَا اخْتَلَفَ۲فِي حَدِيثِكُمْ؟) .
المراد بالاختلاف هنا غير المراد به في سابقه ، فإنّ المراد بالسابق التناقض في الحكم ، وبهذا كثرة المشي إلى أبواب العلماء والأخذ عنهم ، وكثرة تصفّح الروايات وتعرّف معانيها .
(قَالَ : الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَوْرَعُهُمَا ، وَلَا يَلْتَفِتْ إِلى مَا يَحْكُمُ بِهِ الْاخَرُ) .
ذكر أوصافا أربعة معا ، لأنّه قلّما ينفكّ بعضها عن بعض ، وفي الترتيب الذكري دلالة على أنّه على تقدير الانفكاك يقدّم كلّ سابق ذكرا على لاحقه ؛ إذ الكلام مفروض في حقوق الآدميين التي فيها تنازع ، فلا يمكن فيها التخيير والتوسيع ، فيكون الترجيح الأوّل بكون أحد الراويين أعدل ، والعدل سلوك القصد بلا ميلٍ إلى هوى ولا إلى إفراطٍ أو تفريط ، ويكون في كلّ شيء ، ومن جملته العدل في القضاء ، وهو ترك ۳ الميل إلى أحد المتنازعين ، كما في قوله تعالى في سورة النساء : «أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»۴ .
والميل قد يكون طبيعيّا بسبب القرابة ، أو المصاحبة القديمة ، أو نحو ذلك ، وعلى تقدير التساوي في العدالة يكون الترجيح الثاني بكون أحد الراويين أفقه ، ومضى معنى الفقه ۵ في سابع الثاني ۶ ، وعلى تقدير التساوي في الفقه أيضا يكون الترجيح

1.النساء (۴) : ۵۸ .

2.في حاشية «أ» والكافي المطبوع : «رجل» .

3.في حاشية «أ» : «اختلفا» .

4.في «د» : «عدم» .

5.في حاشية «أ» : «وهو لغة بمعنى العلم المفضي إلى العمل بمقتضاه» .

6.أي الحديث ۷ من باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
570

ومعنى القضاء الحقيقي قطع النزاع بين متنازعين في دَين أو ميراث أو نحوهما بإعمال حكم اللّه تعالى الواقعي في حقّهما بنوع جبر وإلزام ، لا من حيث علم المحكوم عليه استحقاقَ المحكوم له ، وهذا القيد للاحتراز عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والفرق بين القضاء وبينهما أنّه يجوز لمن له الحقّ ترك الجبر على أداء الحقّ إذا لم يرض ببقاء الحقّ عند من عليه الحقّ في صورة الاستناد إلى القضاء ، بخلاف صورة الاستناد إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنّه يجب عليه الجبر على أداء الحقّ وجوبا كفائيّا بشروط مقرّرة في محلّها ، ومعنى القضاء الغير الحقيقي رواية فتوى عمّن يعلم الحكم الواقعي في حقّهما ليعملا بها ، والفرق بينه وبين الرواية المحضة ما مرّ .
وإذا تقرّر هذه المعاني فليعلم أنّ المراد بالحكم في قوله عليه السلام : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» الإفتاء الغير الحقيقي والقضاء الغير الحقيقي ، فإنّ الحقيقيّين لا يجوزان إلّا لمن علم الحكم الواقعي ، وإلّا لكان قولاً على اللّه بغير علم ، والعلم بالحكم الواقعي غير حاصل للرجل الجامع للأوصاف المذكورة في غير الشاذّ النادر من ضروريّات المذهب أو ما يجري مجراها .
وليس بمراد بقرينة تجويز الاختلاف في الحكم بين جامعين للأوصاف المذكورة في قوله فيما بعد : و«اختلفا» إلى آخره ، ولا اختلاف بين عالمين في معلوميهما ، فلا يجوز للقاضي حينئذٍ ولا للمحكوم له من المتنازعين لجهل المسألة أن يأخذ ما حكم له جبرا من باب الاستناد إلى القضاء ، إنّما على المحكوم عليه منهما أن يعطيه بالرضا ، وإلّا لكان رادّا على اللّه وعلى حدّ الشرك باللّه .
إن قلت : هل يجوز حينئذٍ للقاضي أو للمحكوم له الجبر من باب الاستناد إلى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا من باب الاستناد إلى القضاء إذا علم القاضي أو المحكوم له أنّ المحكوم عليه عالم بالحكم الواصلي ، وجاهل بالحكم الواقعي ؟
قلت : هذه مسألة فروعيّة ، فإن لم يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 95871
صفحه از 602
پرینت  ارسال به