573
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

ويؤيّد الأوّل ذكر روايتهم في موضع «روايتهما» ، ومعنى «المجمع عليه» المشهور المكرّر في اُصول أصحاب إمام ، لا ما كان المفتون به أكثر عددا ، ولا ما أجمع عليه بالإجماع المصطلح عليه بين الاُصوليّين بقرينة قوله عليه السلام : «الذي ليس بمشهور عند أصحابك» وبقرينة أنّه لو تحقّق الإجماع المصطلح عليه لكان مقدَّما على الترجيحات السابقة .
والظرف في «من أصحابك» متعلّق بـ «المجمع عليه» لتضمين الإجماع معنى الوقوع أو الصدور أو الشهرة ، والمراد بـ«أصحابك» ثقات الشيعة الإماميّة بقرينة تفسير المشهورين فيما بعد بقوله : «قد رواهما الثقات» ، والمراد بالثقة الجامع للأوصاف الأربعة السابقة . وقوله : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» استدلالٌ بالحديث المشهور وهو : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» . ۱
قال ابن الأثير في النهاية :
الريب : الشكّ ، وقيل : هو الشكّ مع التهمة ، يُقال : رابني [الشيء] وأرابني ، بمعنى شكّكني ، وقيل : أرابني في كذا ، أي شكّكني وأوهمني الريبة فيه ، فإذا استيقنته قلت : رابني بغير ألف ، ومنه الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، يروى بفتح الياء وضمّها ، أي دع ما تشكّ فيه إلى ما لا تشكّ فيه . ۲ انتهى .
والمقصود: أنّه إذا تعارض الشاذّ والمجمع عليه ، يجب ترك الشاذّ والعمل بالمجمع عليه ؛ لأنّ الشاذّ حينئذٍ محلّ تهمة السهو أو النسيان أو الكذب ، فيصير الحديث معلّلاً لا يجوز العمل به .
إن قيل : ينافي هذا ما مضى في ثامن الباب وتاسعه من التخيير في العبادات المحضة مطلقا .
قلت : لا منافاة ؛ لأنّ المراد بالتخيير فيما مضى أنّه لا يجب النظر والتتبّع ليعلم أيّهما شاذّ وأيّهما مجمعٌ عليه ، بخلاف صورة التعارض في حقوق الآدميّين .

1.الغارات ، ج ۱ ، ص ۲۱۷ ؛ الفصول المختارة ، ص ۲۰۷ .

2.النهاية ، ج ۲ ، ص ۲۸۶ (ريب) .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
572

الثالث بكون أحد الراويين أصدق في الحديث ، بأن يكون أبعد من الغفلة والنسيان ، وقد تكون الأصدقيّة بأن يكون أرعى للفظ المعصوم ، وأقلّ عدولاً عنه إلى لفظ آخر وإن كان موافقا له في المعنى ، وعلى تقدير التساوي في الصدق أيضا يكون الترجيح الرابع بكون أحد الراويين أورع ، أي أتقى وأبعد عن المعاصي باجتناب الشبهات والمكروهات .
(قَالَ : قُلْتُ : فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) . الظرف متعلّق بقوله : «مرضيّان» أي رضيهما أصحابنا ؛ لحسن حالهما في العدل والفقه والصدق والورع .
(لَا يُفَضَّلُ) ؛ بصيغة المجهول من باب التفعيل ، أو بصيغة المعلوم من باب نصر وعلم ، والجملة استئناف بياني .
(وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلى صَاحِبِهِ۱) أي في شيءٍ من الأوصاف الأربعة .
(قَالَ : فَقَالَ : يُنْظَرُ) ؛ بصيغة المجهول من باب نصر ، والنظر هنا بمعنى الاختيار .
(إِلى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ ، فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا ، وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيهِ ) أي الترجيح الخامس بكون إحدى الروايتين مشهورة مكرّرة في اُصول أصحاب إمام دون الاُخرى ، مثل ما يجيء في «كتاب الطلاق» في «باب الخلع» في التعارض بين حديث الحلبي المنقول في أوّل ذلك الباب ، وحديث أبي بصير المنقول في خامسه من حكم المصنّف بأنّ حديث الحلبي راجح ؛ لأنّه حديث أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام ، وحديث أبي بصير شاذّ نادر .
فنقول : «كان» ۲ ناقصة ، واسمها ضمير مستتر فيها راجع إلى «ما» ، و«من» تبعيضيّة ، والظرف مستقرّ خبر «كان» ، وقوله : «ذلك» إشارة إلى الدين أو الميراث ، وقوله : «الذي» صفة «ذلك» ، والباء في قوله : «حكما به» بمعنى «في» ، وقوله : «المجمع عليه» مجرور وبدل «روايتهم» ، ويحتمل أن يكون «من» لغوا متعلّقا بـ «كان» و«المجمع عليه» منصوبا وخبر «كان» .

1.في حواشي النسخ والكافي المطبوع : + «الآخر» خ .

2.في «د» : «وكان» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 95852
صفحه از 602
پرینت  ارسال به