ويؤيّد الأوّل ذكر روايتهم في موضع «روايتهما» ، ومعنى «المجمع عليه» المشهور المكرّر في اُصول أصحاب إمام ، لا ما كان المفتون به أكثر عددا ، ولا ما أجمع عليه بالإجماع المصطلح عليه بين الاُصوليّين بقرينة قوله عليه السلام : «الذي ليس بمشهور عند أصحابك» وبقرينة أنّه لو تحقّق الإجماع المصطلح عليه لكان مقدَّما على الترجيحات السابقة .
والظرف في «من أصحابك» متعلّق بـ «المجمع عليه» لتضمين الإجماع معنى الوقوع أو الصدور أو الشهرة ، والمراد بـ«أصحابك» ثقات الشيعة الإماميّة بقرينة تفسير المشهورين فيما بعد بقوله : «قد رواهما الثقات» ، والمراد بالثقة الجامع للأوصاف الأربعة السابقة . وقوله : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» استدلالٌ بالحديث المشهور وهو : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» . ۱
قال ابن الأثير في النهاية :
الريب : الشكّ ، وقيل : هو الشكّ مع التهمة ، يُقال : رابني [الشيء] وأرابني ، بمعنى شكّكني ، وقيل : أرابني في كذا ، أي شكّكني وأوهمني الريبة فيه ، فإذا استيقنته قلت : رابني بغير ألف ، ومنه الحديث : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، يروى بفتح الياء وضمّها ، أي دع ما تشكّ فيه إلى ما لا تشكّ فيه . ۲ انتهى .
والمقصود: أنّه إذا تعارض الشاذّ والمجمع عليه ، يجب ترك الشاذّ والعمل بالمجمع عليه ؛ لأنّ الشاذّ حينئذٍ محلّ تهمة السهو أو النسيان أو الكذب ، فيصير الحديث معلّلاً لا يجوز العمل به .
إن قيل : ينافي هذا ما مضى في ثامن الباب وتاسعه من التخيير في العبادات المحضة مطلقا .
قلت : لا منافاة ؛ لأنّ المراد بالتخيير فيما مضى أنّه لا يجب النظر والتتبّع ليعلم أيّهما شاذّ وأيّهما مجمعٌ عليه ، بخلاف صورة التعارض في حقوق الآدميّين .