577
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

(ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ ) ؛ يعني أنّ ارتكاب ما لم يعلم أنّه حلال بيّن محرّم ، وإن كان فعله بحيث إذا علم كان حلالاً بيّنا .
(وَهَلَكَ) أي صار جهنّميّا (مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ) . «من» للتعليل ؛ أي لأنّه لا يعلم حلّه . وهذا إشارة إلى أنّ كلّ مكلّف قامت عليه الحجّة بالآيات البيّنات المحكمات الآمرة بطلب العلم ، نحو : «فَلَوْلَا نَفَرَ»۱ ، ونحو : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» ، ونحو : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنْ الْحَقِّ شَيْئا»۲ وأمثال ذلك ممّا لا يُعدّ ولا يُحصى ، فارتكاب الشبهة ارتكابُ محرّمٍ ؛ لأنّه ارتكاب شيء غير معلوم الحلّ .
(قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمْ) . في بعض النسخ المعتبرة «عنكما» ، ولعلّ المراد حينئذٍ عن الصادق وأبيه عليهماالسلام ، فإنّ أكثر الروايات المشهورة في ذلك الزمان لم تكن إلّا عن أحدهما .
(مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ) . المراد التساوي في الشهرة .
(قَالَ : يُنْظَرُ ، فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَ الْعَامَّةَ) أي المخالفين (فَيُؤْخَذُ بِهِ ، وَيُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْعَامَّةَ) .
المقصود أنّ الترجيح السادس بكون إحدى ۳ الروايتين مخالفة للعامّة دون الاُخرى . وإنّما ضمّ الكتاب والسنّة إشارة إلى أنّ أحكامهم مخالفة للكتاب والسنّة ؛ إمّا بخصوصها فيكون المراد أنّها مخالفة للكتاب غالبا وإن لم تفهموه ، فإنّ كلّ شيء مذكور في الكتاب والسنّة ، إلّا أنّه لا تبلغه عقول الرجال ، وإمّا بعمومها ؛ لدلالة الكتاب على أنّه لا يجوز لهم هذه الأحكام ؛ لأنّها مبنيّة على اتّباع الظنّ ، ويجوز لنا أحكامنا ؛ لأنّها مبنيّة على سؤال أهل الذِّكر .
والدليل على ما ذكرنا أنّه مع وجدان ظاهر كتاب أو سنّة مقطوع بها ووصول أحدهما إلينا بحسب عقولنا لا عبرة بالترجيحات السابقة ولا اللاحقة ؛ لدلالة الأدلّة القطعيّة

1.التوبة (۹) : ۱۲۲ .

2.يونس (۱۰): ۳۶.

3.في «ج» : «أحد» .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
576

أنّهم حكّام من عند أنفسهم أو بآرائهم ، بل لأجل أنّ اللّه والرسول أحالا علم ما لم يعلم من جهتهما إليهم عليهم السلام في قوله تعالى في سورة الأنبياء : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»۱ ، ومضى بيانه في عاشر باب النوادر ، فالردّ إليهم ردّ إلى اللّه ورسوله .
(قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ) . ترك الواو هنا يشعر بأنّ هذا استئناف لبيان قوله : و«إنّما الاُمور ثلاثة» إلى آخره .
(حَلَالٌ) ؛ خبر مبتدأ محذوف ؛ أي الأفعال ، أو اتّباع الاُمور ؛ والمآل واحد .
(بَيِّنٌ) أي معلوم كونه حلالاً ، وهو اتّباع البيّن رشده . فهذا لبيان القسم الأوّل من التقسيم الأوّل .
(وَحَرَامٌ بَيِّنٌ) أي معلوم كونه حراما ، وهو اتّباع البيّن غيّه ، فهذا لبيان القسم الثاني من التقسيم الأوّل .
(وَشُبُهَاتٌ) . هذا لبيان القسم الثالث من التقسيم الأوّل ، والشبهة بالضمّ : الالتباس ، والمراد هنا الملتبس ، سواء كان حراما ملتبسا بالحلال ، أم حلالاً ملتبسا بالحرام ، فهو ما عدا القسمين الأوّلين ، فالتقسيم حاصر كما أشار إليه بقوله :
(بَيْنَ ذلِكَ) . المشار إليه : الحلال البيّن والحرام البيّن ، أي لا حلال بيّن ولا حرام بيّن ، كقوله تعالى : «مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ»۲ .
(فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ) ؛ من تتمّة كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو كلام أبي عبداللّه عليه السلام . ومعنى ترك الشبهات طلب علم الحلال والحرام في المسائل الأصليّة والفرعيّة ، حتّى يتميّز عنده أنّ ارتكاب ما كان من الشبهات من الحلال البيّن أو الحرام البيّن .
(نَجَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ) . النجاة : الخلاص من ضرر ، والمراد أنّه ينحصر فعله حينئذٍ في الحلال البيّن .
(وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ) أي لم يطلب العلم واجترأ بارتكاب الشبهات .

1.الأنبياء (۲۱) : ۷ .

2.النساء (۴) : ۱۴۳ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 95812
صفحه از 602
پرینت  ارسال به