(ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ ) ؛ يعني أنّ ارتكاب ما لم يعلم أنّه حلال بيّن محرّم ، وإن كان فعله بحيث إذا علم كان حلالاً بيّنا .
(وَهَلَكَ) أي صار جهنّميّا (مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ) . «من» للتعليل ؛ أي لأنّه لا يعلم حلّه . وهذا إشارة إلى أنّ كلّ مكلّف قامت عليه الحجّة بالآيات البيّنات المحكمات الآمرة بطلب العلم ، نحو : «فَلَوْلَا نَفَرَ»۱ ، ونحو : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» ، ونحو : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنْ الْحَقِّ شَيْئا»۲ وأمثال ذلك ممّا لا يُعدّ ولا يُحصى ، فارتكاب الشبهة ارتكابُ محرّمٍ ؛ لأنّه ارتكاب شيء غير معلوم الحلّ .
(قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمْ) . في بعض النسخ المعتبرة «عنكما» ، ولعلّ المراد حينئذٍ عن الصادق وأبيه عليهماالسلام ، فإنّ أكثر الروايات المشهورة في ذلك الزمان لم تكن إلّا عن أحدهما .
(مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ) . المراد التساوي في الشهرة .
(قَالَ : يُنْظَرُ ، فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَ الْعَامَّةَ) أي المخالفين (فَيُؤْخَذُ بِهِ ، وَيُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْعَامَّةَ) .
المقصود أنّ الترجيح السادس بكون إحدى ۳ الروايتين مخالفة للعامّة دون الاُخرى . وإنّما ضمّ الكتاب والسنّة إشارة إلى أنّ أحكامهم مخالفة للكتاب والسنّة ؛ إمّا بخصوصها فيكون المراد أنّها مخالفة للكتاب غالبا وإن لم تفهموه ، فإنّ كلّ شيء مذكور في الكتاب والسنّة ، إلّا أنّه لا تبلغه عقول الرجال ، وإمّا بعمومها ؛ لدلالة الكتاب على أنّه لا يجوز لهم هذه الأحكام ؛ لأنّها مبنيّة على اتّباع الظنّ ، ويجوز لنا أحكامنا ؛ لأنّها مبنيّة على سؤال أهل الذِّكر .
والدليل على ما ذكرنا أنّه مع وجدان ظاهر كتاب أو سنّة مقطوع بها ووصول أحدهما إلينا بحسب عقولنا لا عبرة بالترجيحات السابقة ولا اللاحقة ؛ لدلالة الأدلّة القطعيّة