85
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

مَن هَدى مَن يليق بالهداية إلى صراطٍ مستقيم والجنّة .
(الْحَمْدُ لِلّهِ الْمَحْمُودِ) . الحمد بالفتح والمحمدة ـ بكسر الميم الثانية وفتحها من باب علم ـ : ضدّ اللوم والملامة ، فلا يكون إلّا بالقول وما يجري مجراه ، فهو الوصف بالجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه أو قوله :
(لِنِعْمَتِهِ) . النعمة بالكسر: مصدر «نعم» كعلم بمعنى أنعم ، وبالفتح الاسم من التنعّم . وإنّما خصّها بالذِّكر ـ مع أنّ الباعث على الحمد وهو الذي يسمّى المحمود له والمحمود عليه أيضا أعمّ من النعمة وغيرها ـ لأنّ المقصود هنا بيان ما وقع في سورة الحمد من الابتداء بالحمدللّه لجلب نعمته واستجابة الدعاء في قوله : «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» .
ويجيء في «كتاب الدعاء» في الأوّل والسادس من «باب التحميد والتمجيد» أنّ تقديم الحمد وسيلة استجابة الدعاء ، فالمراد بنعمته هنا التوفيق لسلوك الصراط المستقيم، وهو العمل عن علم مستفاد من اللّه ورسوله ، لا عن رأي وظنّ ، كما في سورة النساء : «وَمَنْ يُطِعْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ...»۱ .
وهذا طريقة الأخباريّين من الشيعة الإماميّة ، كما يجيء في الخطبة في شرح : «والشرط من اللّه جلّ ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدّوا جميع فرائضه بعلمٍ ويقين وبصيرة» .
ويظهر منه أنّ المغضوب عليهم عبارة عن المفتين عن ظنّ من اليهود والنصارى وأمثالهم ، والضالّين عبارة عن المقلّدين منهم كما في آية ۲ سورة التوبة : «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ ...»۳ . ويجيء في «كتاب العقل» في أوّل كتاب

1.النساء (۴) : ۶۹ .

2.في «أ» : - «منهم كما في آية» .

3.التوبة (۹) : ۳۰ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
84

وقيل ۱ : عبراني الأصل ، وكان بالخاء المعجمة فاُبدل ، وإلّا لما أنكرته العرب ، قال تعالى : «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ»۲ . ۳ انتهى .
وقيل : عَلَم ، ۴
قال ابن هشام في مغني اللبيب في قول الشاعر :
«تبارك رحمانا رحيما وموئلاً» ۵ :
الصواب أنّ «رحمانا» بإضمار أخصّ وأمدح، ۶ و«رحيما» حال منه ، لا نعت له ؛ لأنّ الحقّ قول الأعلم وابن مالك : إنّ الرحمن ليس بصفة بل عَلَم . وبهذا أيضا يبطل كونه تمييزا ، وقول قوم : إنّه حال .
وأمّا قول الزمخشري : إذا قلت : اللّه رحمن أتَصْرِفه أم لا ؟ وقول ابن الحاجب : إنّه اختلف في صرفه ؛ فخارج عن كلام العرب من وجهين ؛ لأنّه لم يستعمل صفة ولا مجرّدا من «ال» وإنّما حذف في البيت للضرورة ، ويبنى ۷ على علميّته أنّه في البسملة ونحوها بدل لا نعت .
و«الرحيم» نعت آخر للّه ، وقيل : يبنى على علميّة الرحمن أنّ الرحيم بعده نعت له ، لا نعت لاسم اللّه ؛ إذ لا يتقدّم البدل على النعت ، وأنّ السؤال الذي سأله الزمخشري وغيره ـ : لِمَ قدّم الرحمن مع أنّ عادتهم تقديم غير الأبلغ كقولهم : عالم نحرير ، وجواد فيّاض ؟ ـ غير متّجه . ۸ انتهى .
ووجه التقديم مع كون الرحمن صفةً أنّه إنّما عادتهم تأخير الأبلغ إذا كان التفاوت بالشدّة والضعف ، لا بالعموم والخصوص ، وما نحن فيه من الثاني ، فإنّ المراد بالرحيم

1.في حاشية «أ» : «القائل ثعلب» .

2.الفرقان (۲۵) : ۶۰ .

3.لسان العرب ، ج ۱۲ ، ص ۲۳۱ ؛ تاج العروس ، ج ۱۶ ، ص ۲۷۸ (رحم) .

4.اُنظر: التبيان للطوسي ، ج ۷ ، ص ۵۰۱ ؛ تفسير مجمع البيان ، ج ۱ ، ص ۵۲ .

5.هذا عجز لبيت صدره : «بدأت ببسم اللّه في النظم أوّلاً» وهو مطلع القصيدة الشاطبيّة في القراءات السبع ، وتوفّي الشاطبي قاسم بن فيره، سنة ۵۹۰ هجرية .

6.في مغني اللبيب : «أو أمدح» .

7.كذا في النسخ . وفي المصدر : «وينبني» .

8.مغني اللبيب ، ج ۲ ، ص ۴۶۱؛ وفي طبعة اُخرى ، ج ۲ ، ص ۶۰۱ ، الباب الرابع، فيما افترق فيه الحال والتمييز .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 120170
صفحه از 602
پرینت  ارسال به