87
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

(الْمَرْهُوبِ) أي المخوف (لِجَلَالِهِ) أي لأنّه يجلّ عن النقص وعن القبيح ؛ يقال : جلّ عن كذا : إذا لم يتّصف به ؛ لأنّه نقص أو قبيح ، أي سواء كان في صفات ذات ـ كالصورة والتخطيط ـ أم صفات فعل كالظلم ، وهو وضع الشيء في غير موضعه . وهو إشارة إلى أنّه تعالى يعذّب البتّة مَن كان العفو عنه ظلما من العُصاة ، كما في قوله تعالى في سورة الأنفال : «ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ»۱ ، وتفصيله وبيان مفهوم المبالغة في الآية في حواشينا على عدّة الاُصول .
(الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ) . الظرف في مقام الفاعل . (فِيمَا عِنْدَهُ) هو خزائن السماوات والأرض .
(النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي جَميعِ خَلْقِهِ) . «أمره» إشارة إلى ما في سورة يس: «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»۲ .
(عَلَا فَاسْتَعْلى) . هذا إلى قوله : (منظر) مذكور في «كتاب الروضة» في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام . ۳ والمراد بالعلوّ هنا استجماع جميع صفات الكمال والبراءة من كلّ نقص وقبيح ، والفاء للتعقيب ، والاستعلاء إظهار العلوّ بخلق العالم . وهذا إشارة إلى الحديث القدسي : «كنتُ كنزا مخفيّا ، فأحببت أن اُعرف ، فخلقت الخلق كي اُعرف» . ۴(ودَنَا) أي من أذهان الخلق لتحقّق شواهد ربوبيّته في كلّ مخلوق ، موافقا لقوله تعالى : «أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَىْ ءٍ»۵ فيتيسّر العلم بربوبيّته تعالى لكلّ مكلّف .
(فَتَعَالى) أي عن أن يجري فيه شكّ أو شبهة ، فليس جحد الجاحدين إلّا بمحض اللسان والمكابرة . والفاء هنا يحتمل التعقيب والتفريع .

1.الأنفال (۸) : ۱۸۲ .

2.يس (۳۶) : ۸۲ .

3.الكافي ، ج ۸ ، ص ۶۷ ، ح ۲۳ .

4.حكاه في رسائل الكركي ، ج ۳ ، ص ۱۵۹ ؛ والرازي في تفسيره ، ج ۲۸ ، ص ۲۳۴ ؛ وابن عربي في تفسيره ، ج ۲ ، ص ۱۲۳ ؛ وأبو السعود في تفسيره ، ج ۲ ، ص ۱۳۰ .

5.الأعراف (۷) : ۱۸۵ .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
86

التقليد ۱ ، وهو التاسع عشر ۲ ، وآية سورة البقرة : «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَا دُعَاءً وَنِدَاءً ...»۳ . ويجيء في «كتاب العقل» في ثاني عشر الأوّل . ۴
ويمكن كون كلّ من الفريقين داخلاً في المغضوب عليهم ، وكون الضالّين عبارة عن المستضعفين .
(الْمَعْبُودِ) . العبادة: تعظيم وتذلّل عند شخص لم يأذن أعلى منه في هذا التذلّل عنده، سواء كان التذلّل باعتقاد أنّ المتذلّل له قادر على قضاء كلّ حاجة وكشف كلّ كربة أم لا ، وسواء كان بإطاعة له أم لا .
(لِقُدْرَتِهِ) . القدرة هنا: صحّة الفعل والترك ، فلا تتعلّق إلّا بالممكن في نفسه ، الغير اللازم لعلّته التامّة ، كما يجيء في «باب البداء» من «كتاب التوحيد» .
وقد تُطلق على كون الشخص بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، وحينئذٍ تتعلّق بالمحال في نفسه أيضا ، وإنّما خصّها بالذِّكر لأنّ القدرة بالاستقلال في خلق ممكن ما بقول «كن» ومحض نفوذ الإرادة أوّل ما يعرف به العبد ربّه وأوّل ما يستحقّ العبادة لأجله ، وللإشعار بأنّ حصر العبادة في قوله تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» مبنيّ على قدرته بالاستقلال على التوفيق وهداية الصراط المستقيم .
(الْمُطَاعِ لِسُلْطَانِهِ۵) . معنى الإطاعة هنا أنّ كلّ شيء بمشيئته ، فما شاء اللّه كان ، وما لم يشأ لم يكن حتّى أفعال العباد الاختياريّة ، طاعتهم وعصيانهم ، وسيجيء تحقيقه في ثاني «باب الاستطاعة» من «كتاب التوحيد» .

1.كذا في النسخ وفي الكافي المطبوع : «باب التقليد» .

2.أي الحديث ۱ من باب التقليد وهو الباب التاسع عشر من كتاب العقل . وهذا على تبويب الشارح . ولكن هذا الباب في الكافي المطبوع كان ذيل كتاب فضل العلم، ورقم الباب ۱۸ .

3.البقرة (۲) : ۱۷۱ .

4.أي الحديث ۱۲ من الباب الأوّل وهو باب العقل والجهل من كتاب العقل . وهذا على تبويب الشارح حيث عنون لكتاب العقل والجهل وكتاب فضل العلم عنوانا واحدا، وهو «كتاب العقل»، وجعل كتاب فضل العلم من أبواب كتاب العقل ، خلافا للكافي المطبوع .

5.في الكافي المطبوع : «في سلطانه» بدل «لسلطانه» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 120168
صفحه از 602
پرینت  ارسال به