(وَبِقُدْرَتِهِ تَوَحَّدَ) ؛ بشدّ الحاء المهملة (بِالْجَبَرُوتِ) ؛ بالجيم والموحّدة المفتوحتين ، وهو مبالغة الجبر . والمراد أن لا يمتنع شيء عمّا أراد تكوينا وإبقاءً وتصرّفا .
(وَبِحِكْمَتِهِ أَظْهَرَ حُجَجَهُ عَلى خَلْقِهِ) أي أظهر أنبياءه وأئمّته أو آياته الدالّة على ربوبيّته .
وذكر الحكمة هنا إشارة إلى أنّه لم يظهرها كلّ الظهور بحيث يصير كقولنا : «الواحد نصف الاثنين»، أو «زوايا المثلّث مساوية لقائمتين»، بل جعلها بحيث تجري فيها معارضة وهميّة، فيكون في التصديق بها ثواب على ما اقتضته الحكمة ، ويحيا من حيّ عن بيّنة أو احتجاجاته على العصاة في استحقاقهم العقاب .
وأمّا قوله : (اِخْتَرَعَ الْأَشْيَاءَ إِنْشَاءً ، وَابْتَدَعَهَا ابْتِدَاءً بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، لَا مِنْ شَيْءٍ ؛ فَيَبْطُلَ الاخْتِرَاعُ ، ولَالِعِلَّةٍ ؛ فَلَا يَصِحَّ الْاِبْتِدَاعُ . خَلَقَ مَاشَاءَ كَيْفَ شَاءَ مُتَوَحِّدا بِذلِكَ ؛ لِاءِظْهَارِ حِكْمَتِهِ ، وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ . لَا تَضْبِطُهُ الْعُقُولُ ، وَلَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مِقْدَارٌ . عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ ، وضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ . اِحْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ ، عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ ، وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ ، وَنُعِتَ بِغَيْرِ جِسْمٍ ، لَا إِلهَ إلَّا هُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) فمأخوذ من كلام الرضا عليه السلام ، وسيجيء مع شرحه في ثالث الحادي عشر ۱ من «كتاب التوحيد» .
ونقول هنا : قوله : «لا من شيء» أي لا من مادّة قديمة شخصا . وقوله : «لا لعلّة» ـ بكسر المهملة أو فتحها وشدّ اللام ـ أي لا لمعدّ قبله، أو لا لعود إلى مثل ما فعله سابقا. وهو لإبطال كون العالم قديما نوعا .
(ضَلَّتِ الْأَوْهَامُ عَنْ بُلُوغِ كُنْهِهِ) . كنه الشيء: ذاته أو قدره ، والمراد على الثاني قدر عظمته .
(وَذَهَلَتِ) ؛ بالمعجمة من باب «منع». والذهل بالفتح والذهول بالضمّ: السلوّ عن الشيء حين العلم بأنّه لا طريق للوصول إليه ؛ أي يئست . ۲