89
الشّافي في شرح أصول الكافي ج1

(وَبِقُدْرَتِهِ تَوَحَّدَ) ؛ بشدّ الحاء المهملة (بِالْجَبَرُوتِ) ؛ بالجيم والموحّدة المفتوحتين ، وهو مبالغة الجبر . والمراد أن لا يمتنع شيء عمّا أراد تكوينا وإبقاءً وتصرّفا .
(وَبِحِكْمَتِهِ أَظْهَرَ حُجَجَهُ عَلى خَلْقِهِ) أي أظهر أنبياءه وأئمّته أو آياته الدالّة على ربوبيّته .
وذكر الحكمة هنا إشارة إلى أنّه لم يظهرها كلّ الظهور بحيث يصير كقولنا : «الواحد نصف الاثنين»، أو «زوايا المثلّث مساوية لقائمتين»، بل جعلها بحيث تجري فيها معارضة وهميّة، فيكون في التصديق بها ثواب على ما اقتضته الحكمة ، ويحيا من حيّ عن بيّنة أو احتجاجاته على العصاة في استحقاقهم العقاب .
وأمّا قوله : (اِخْتَرَعَ الْأَشْيَاءَ إِنْشَاءً ، وَابْتَدَعَهَا ابْتِدَاءً بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، لَا مِنْ شَيْءٍ ؛ فَيَبْطُلَ الاخْتِرَاعُ ، ولَالِعِلَّةٍ ؛ فَلَا يَصِحَّ الْاِبْتِدَاعُ . خَلَقَ مَاشَاءَ كَيْفَ شَاءَ مُتَوَحِّدا بِذلِكَ ؛ لِاءِظْهَارِ حِكْمَتِهِ ، وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ . لَا تَضْبِطُهُ الْعُقُولُ ، وَلَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مِقْدَارٌ . عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ ، وضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ . اِحْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ ، عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ ، وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ ، وَنُعِتَ بِغَيْرِ جِسْمٍ ، لَا إِلهَ إلَّا هُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) فمأخوذ من كلام الرضا عليه السلام ، وسيجيء مع شرحه في ثالث الحادي عشر ۱ من «كتاب التوحيد» .
ونقول هنا : قوله : «لا من شيء» أي لا من مادّة قديمة شخصا . وقوله : «لا لعلّة» ـ بكسر المهملة أو فتحها وشدّ اللام ـ أي لا لمعدّ قبله، أو لا لعود إلى مثل ما فعله سابقا. وهو لإبطال كون العالم قديما نوعا .
(ضَلَّتِ الْأَوْهَامُ عَنْ بُلُوغِ كُنْهِهِ) . كنه الشيء: ذاته أو قدره ، والمراد على الثاني قدر عظمته .
(وَذَهَلَتِ) ؛ بالمعجمة من باب «منع». والذهل بالفتح والذهول بالضمّ: السلوّ عن الشيء حين العلم بأنّه لا طريق للوصول إليه ؛ أي يئست . ۲

1.أي الحديث ۳ من باب النهي عن الجسم والصورة . ورقم الباب في الكافي المطبوع : ۱۲ .

2.العين ، ج ۴ ، ص ۳۹ (هذل) و ج ۷ ، ص ۲۹۹ ، (سلو) .


الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
88

(وَارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ) . الواو للعطف على «تعالى» أو للحال بتقدير «قد» ؛ والظرف متعلّق ب «ارتفع». والمنْظَر ـ بفتح الميم وسكون النون وفتح المعجمة ومهملة ـ مصدر ميمي ، أي النظر ، وهو تأمّل الشيء بالقلب ، فالمعنى أنّه لا تدرك العقول كنه ذاته ولا شخصه ، كما يجيء في «باب إطلاق القول بأنّه تعالى شيء» من «كتاب التوحيد» . ويمكن أن يجعل المنظر بمعنى النظر بالعين ، أو اسم مكان منه ، أي ما نظرت إليه ، فالمراد أنّه غير مرئيّ بالعين .
(الَّذي لَا بَدْءَ) ؛ بفتح الموحّدة وسكون المهملة والهمز، أي لا ابتداء (لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَلَاغَايَةَ) أي لا نهاية .
(لِأَزَلِيَّتِهِ) الأزَل ـ بالتحريك ـ : الامتداد الغير المتناهي المنتزع من كائن لا أوّل له ، والأزلي: القديم، والتاء لإفادة معنى المصدر ، أي القدم . وقيل : الأزل ۱ القدم ، وهو أزلي، وأصله «يزلي» منسوب إلى «لم يزل» ثمّ اُبدلت الياء ألفا للخفّة، كما قالوا في الرمح المنسوب إلى ذي يزن : أزني . ۲ انتهى .
(القَائِمُِ) أي الكائن الباقي (قَبْلَ الْأَشْيَاءِ ، وَالدَّائِمُِ الَّذِي بِهِ قِوَامُهَا) ؛ بكسر القاف ، أي نظامها وبقاؤها .
(وَالْقَاهِرُِ) أي الغالب (الَّذِي لَايَؤُودُهُ) أي لا يثقله (حِفْظُهَا ، وَالْقَادِرُِ الَّذِي بِعَظَمَتِهِ تَفَرَّدَ) ؛ بشدّ الراء المهملة (بِالْمَلَكُوتِ) ؛ بفتحتين مبالغة الملك بالضمّ ؛ أي لا يشاركه أحد في التكوين بمحض قول «كن» بلا حركة لتحريك آلة أو عضو.
وفيه إشارة إلى إبطال تجرّد فاعل سوى اللّه تعالى، كما زعمته اليهود والفلاسفة في العقول العشرة ۳ والنفوس الناطقة . ۴

1.في «أ» : «الأول» .

2.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۲۸ ؛ الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۶۲۲ ؛ تاج العروس ، ج ۱۴ ، ص ۱۶ ؛ لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۱۴ (أزل) .

3.نظرية العقول العشرة، فرضها المشاؤون؛ لتصحيح صدور الكثير من الواحد ، وهي مبتنية على وجود الأفلاك التسعة وكونها ذوات نفوس مريدة .

4.تفصيل الكلام في النفوس الناطقة موكول إلى المواقف للايجي ، ج ۲ ، ص ۶۷۵ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي ج1
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 120049
صفحه از 602
پرینت  ارسال به