135
الرواشح السماوية

الراشحة الرابعة والعشرون

[ في ألفاظ السعي والغيّ والرشد ]

ممّا يجب التنبيه عليه في هذا الموضع لئلاّ يتورّط في الخطأ المتنطّعون ولايتمرّن على الغلط المتعلّمون أنّ غير المتثقّفين في العربيّة من فضلاء العصر يقولون في مثل هذا المقام : «محمّد بن يحيى الرازي الذي سعى على أبي يحيى الجرجاني ، وابن البغوي الذي سعى على أبي يحيى الجرجاني ، وإبراهيم بن صالح الذي سعى على أبي يحيى الجرجاني» ولايستشعرون أنّ هذه مِنَ السعاية المتعدّية ب «الباء» و«إلى» معاً في استعمال واحد لا من السعي بمعنى العَدْوِ والعمل والكسب وولاية الأمر ، المتعدّي تارة ب «إلى» وتارة ب «اللام» وتارة ب «على» ، ويعلم الضّابط في ذلك ممّا ننقله عن أئمّة اللسان . قال الجوهري في الصحاح :
سعى الرجل سعياً إذا عدا ، وكذلك إذا عمل وكسب . وكلّ من ولي شيئاً على قوم فهو ساعٍ عليهم . وأكثر ما يقال في ولاة الصدقة وهم السُعاة . والمَسعاة : واحدة المساعي في الكرم ۱ والجود . والسِّعو بالكسر : الساعة من الليل . وسُِعْواء مثله . وساعاني فلان فَسَعَيتُهُ أَسْعيهِ إذا غَلَبْتَه فيه . وسعى به إلى الوالي : إذا وشى به . ۲
وقال ابن الأثير في النهاية :
كلّ من ولي أمر قوم فهو ساعٍ عليهم . وفيه : إذا أتيتم الصلاة فلاتأتوها وأنتم تسعون» . «السعي» العَدْو ، وقد يكون مشياً ، ويكون عملاً وتصرّفاً ، ويكون قصداً . وقد تكرّر في الحديث . فإذا كان بمعنى المُضيّ عُدّي ب «إلى» وإذا كان بمعنى العمل عدّي باللاّم . ومنه حديث عليّ عليه السلام في ذمّ الدنيا : «من ساعاها فاتته» . أي سابقها . ۳

1.ما أثبتناه من المصدر ولكن في النسخ : «الكلام» بدل «الكرم» .

2.الصحاح ۴ : ۲۳۷۷ «س . ع . ى» .

3.في حاشية المخطوطة : «المسابقة في قوله : «سابقها» مفاعلة من السبق بمعنى الغلبة ، ومنه قوله عزّ من قائلٍ في التنزيل الكريم : «وما نحن بمسبوقين على أن نبدّل أمثالكم» أي بمغلوبين . (منه دام ظلّه العالي)» .


الرواشح السماوية
134

وأمّا ابن البغوي وإبراهيم بن صالح الداخلان في تلك السعاية فعامّيّان اتّفاقاً ؛ وذلك لأنّ أبا عبد اللّه العامّيَّ من أصحاب كتب الحديث المعتمدة عندهم هو أبو عبد اللّه النيسابوري . والطيّبي قال في شرح مشكاة المصابيح ، ۱ وفي خلاصته في معرفة الحديث :
إنّه مات بنيشابور في صفر سنة خمس وأربعمائة ، وولد بها في شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة . وكان قد مات مسلم بنيشابور لخمس بقين من رجب سنة إحدى و ستّين ومأتين وهو ابن خمس وستّين . ۲
فهو ممّن لم يدرك عصر مسلم ، فكيف يصحّ اجتماعه مع مسلم في ذلك المجلس ؟! بل الذي عاصره وقاطنه بنيسابور من أئمّة أصحاب الحديث هو أبو عبد اللّه البزوفريّ الخاصّيّ هذا ، فليكن هو صاحبَ ذلك المجلس .
فإن قلت : فإذن كتمانه الشهادة لأبي يحيى الجرجانيّ ممّا يوجب القدح فيه .
قلت : مدلول كلام الكشّي أنّ أبا عبد اللّه البزوفريّ هو الذي شهد لأبي يحيى الجرجاني بما قاله بعد ذلك المجلس ، فخلّى محمّد بن طاهر عنه ولم يصبه بأذيّة ، فلعلّ الكتمان أوّلاً في ذلك المجلس لغرض صحيح وسبب شرعيّ ، فإذن لاقدح فيه أصلاً . وأمّا ما يفهم من الفهرست أنّ الشاهد أخيراً رجل آخر ، فليس بصحيح . واللّه سبحانه أعلم .

1.لم يوجد عندنا كتاب شرح مشكاة المصابيح .

2.الخلاصة في أُصول الحديث : ۱۳۶ ـ ۱۳۷ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1380
    نوبت چاپ :
    الاولی
    پیوند معرفی کتاب :
    http://www.hadith.net/post/49603
تعداد بازدید : 101963
صفحه از 360
پرینت  ارسال به